البادرة، يحفظ من النكات العجيبة والوقائع الغريبة ما يضحك الثكلى التي فقدت وحيدها، يتسابق الناس إلى دعوته والاجتماع به ويرونه زينة المجالس، إن حَضَر مجلسًا لم يتكلم غيره، ولم يتكلم بكلمة إلاّ ضحك لها الحاضرون من قرارات قلوبهم. وهو -مع ذلك- أثقل الناس على أهله، لا يكاد يبتسم في بيته ولا يكاد يكلّم أحدًا. إذا دخل الدار دخلت الكآبة وحلّ الوجوم، لأنه لا ينطق ولا يدع أحدًا من أهله ينطق في حضوره!
وأعرف رجلًا ما يذهب في رحلة أو نزهة إلاّ تولى هو بنفسه خدمة إخوانه كلهم، إن كانوا في مخيّم اشترى لهم اللحم والخضر وأوقد النار وطبخ لهم ووزع عليهم، وإن كانوا في مجلس تولى هو صنع الشاي وخدم بنفسه، وإن احتاج واحد من أصدقائه أو من معارف أصدقائه إلى شيء قام به عنه. وهو -مع ذلك- أكسل الناس في بيته وأشدّهم تحكمًا على أهله وتكليفًا لهم، لا يقوم ليملأ لنفسه كأس ماء ولا يسحب لنفسه كرسيًّا ولا يتناول رداء من الخزانة إلاّ أن تكون زوجته أو بنته قائمة بين يديه، تملأ له الكأس وتعدّ له الكرسي وتناوله الرداء!
وأعرف رجلًا ليس في الناس أكرم منه على إخوانه، يوليهم الهدايا الثمينة ويمنحهم المنح ولا يمسك عنهم مالًا ولا ينفرد دونهم بشيء، وهو في بيته أبخل البخلاء، يضنّ على أهله بالقليل ويحرمهم ما لا بدّ منه من الضروريات.
وأعرف نساء إن كنّ في استقبال أو كنّ بين أيدي الضيوف لا تبدو من إحداهنّ كلمة نابية، ولا تسمع منها لهجة حادة، ولا