Page 0
تقديم
بسم الله الرحمن الرحيم
و [صلى الله عليه وسلم] على سيد المرسلين، وآله الأكرمين، ورضي الله عن صحابته الأفضلين.
وبعد.
فإنه لما كان حديث: (من عاد لي وليا) قد اشتمل على فوائد كثيرة النفع، جليلة القدر لمن فهمها حق فهمها، وتدبرها كما ينبغي، أحببت أن أفرد هذا الحديث الجليل بمؤلف مستقل، أنشر من فوائده ما تبلغ إليه الطاقة ويصل إليه الفهم، وما أحقه بأن يفرد بالتأليف، فإنه قد اشتمل على كلمات كلها درر، الواحدة منها تحتها من الفوائد، ما ستقف على البعض منه. وكيف لا يكون كذلك وقد حكاه عن الرب سبحانه من أوتي جوامع الكلم، ومن هو أفصح من نطق بالضاد، وخير العالم بأسره، وأجل خلق الله، وسيد ولد آدم [صلى الله عليه وسلم] ؟
ولم يستوف شراح الحديث رحمهم الله ما يستحقه هذا الحديث من الشرح.
Page 217
فإن ابن حجر رحمه الله لم يشرحه في فتح الباري إلا بنحو ثلاث ورق مع أن شرحه أكمل شرح البخاري، وأكثرها تحقيقا، وأعمها نفعا. ولا حاجة لنا في الكلام على رجال إسناده، فقد أجمع أهل هذا الشأن أن أحاديث الصحيحين، أو أحدهما كلها من المعلوم صدقه المتلقى بالقبول المجمع على ثبوته. وعند هذه الإجماعات تندفع كل شبهة، ويزول كل تشكيك.
وقد دفع أكابر الأئمة من تعرض للكلام على شيء مما فيهما، وردوه أبلغ رد، وبينوا صحته أكمل بيان. فالكلام على إسناده بعد هذا، لا يأتي بفائدة يعتد بها. فكل رواته قد جازوا القنطرة، وارتفع عنهم القيل والقال، وصاروا أكبر من أن يتكلم فيهم بكلام، أو يتناولهم طعن طاعن، أو توهين موهن.
وسميته (قطر الولي على حديث الولي) . قال في الصحاح: والولي المطر
Page 218
بعد الوسمى، سمي وليا لأنه يلي الوسمى. وهو من
حديث أبي هريرة. ولفظه في البخاري هكذا. قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم] : (إن الله تبارك وتعالى قال: من عادى لي وليا، فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببته فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده الذي يبطش بها، ورجله الذي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذني أعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددى عن نفس المؤمن يكره الموت، وأكره إساءته ". انتهى.
Page 219
قوله: " إن الله [تبارك] وتعالى "، قال: هذا من الأحاديث الإلهية القدسية، وهو يحتمل أن يكون مما تلقاه [صلى الله عليه وسلم] ، عن ربه بلا واسطة، ويحتمل أن يكون مما تلقاه [صلى الله عليه وسلم] عن ربه بواسطة الملك. قال الكرماني: " يحتمل أن يكون من الأحاديث القدسية، ويحتمل أن يكون لبيان الواقع والراجح الأول ".
وقد وقع في بعض طرق هذا الحديث أنه [صلى الله عليه وسلم] حدث به عن جبريل عن الله عز وجل.
Page 220