والواقع أن موقف الحكومة كان محفوفا بالصعوبات؛ فالمعتدلون لم يبدوا أي مساعدة لاستتباب الأمن، وحاق بالفقراء إعسار مدقع، وأخذت الجرائم تزداد وامتلأت السجون، ونشب اضطراب في فلورنسه لم يلبث جيرازي أن استطاع بحزمه القضاء عليه والقبض على ناصية الأمور، وقد تمكنت الحكومة في شهر آذار من بسط نفوذها وحمل الناس على إطاعتها.
وكان قد تقرر في طوسكانه أن تجرى الانتخابات للمجلس التأسيسي الطوسكاني في 5 آذار على أن ينتخب في الوقت نفسه الممثلون للمجلس التأسيسي الإيطالي في روما، وهنا اختلف الناس في أي المجلسين يقرر مصير حكومة طوسكانه القادمة، فالمعتدلون يدعون أن البت في المسألة عائد للمجلس الطوسكاني، وأما الجمهوريون فكانوا يصرحون بأن الوحدة مع روما قد بت فيها، وأن المجلس الموحد هو الذي يحق له أن يبت في القضية.
ومع أن جيرازي في الظاهر قد قرر الاتحاد الدبلوماسي الجمركي فإنه اتفق ومازيني على أن يؤجل الانضمام الكلي قدر الإمكان، وكان سهلا استمالة أهل طوسكانه إلى فكرة التأجيل؛ لأن في الانضمام تفقد فلورنسه مكانتها كعاصمة وتضحي مدينة ليفورنا في سبيل مدينة جيفيتا فكيا.
أضف إلى ذلك أن طوسكانه كانت ترغب في الابتعاد عن مشاكل القضية البابوية، وقد أعانت هذه الأمور جيرازي على أن يصدر قانونا في غياب مونتانلي يترك فيه حق تقرير شكل الحكومة إلى المجلس الطوسكاني.
ونشطت الحركة الرجعية وأخذت تنذر بالقضاء على الجمهوريين والرؤساء الثلاثة، وكان القرويون الذين يدعوهم «كابوني» بشعب طوسكانه السيد، يخاصمون أية حكومة تريد الحرب، فكان من السهل على الأشراف ورجال الإكليروس أن يستغلوا شعور هؤلاء القرويين في الحملة على الحكومة التي نفت الدوق وراقبت رهبانهم وهددتهم بالضرائب وبإرسال أولادهم إلى الحرب في سبيل أمر بعيد المنال.
وهاجمت بعض عصابات القرويين المسلحة فلورنسة وبرانو، أما سكان المدن فكانوا على النقيض من القرويين ينظرون إلى الجماعات الموالية للأمير ولكن لا تطمئن نفوسهم للحكومة، أما الرهبان فأخذوا يمتنعون من تزكية الذين صوتوا للمجلس التأسيسي، أما الأذكياء من الناس فرغبوا في أن يظلوا بعيدين خشية ثورة مضادة.
وقد أجل الرؤساء اجتماع المجلس التأسيسي جهد المستطاع ويظن أن الذين اشتركوا في الانتخابات للمجلس المذكور كانوا أقل من خمس ذوي الحق في الانتخابات، وقد أهمل الانتخاب العام للمجلس التأسيسي الإيطالي في روما، ولم يسع المعتدلون والرجعيون انتخاب مرشحيهم، فنالت الحكومة أكثرية بنسبة اثنين ضد واحد.
وبعد افتتاح المجلس بيومين وردت أخبار نوفاره، فأعلن جيرازي بصراحة أنه ضد الجمهورية، فما كان من مونتانلي إلا أن أقنع المجلس بإعلان جيرازي دكتاتورا رغبة منه في أن لا يضعف الحكومة في سبيل قضية لا رجاء فيها، وأصبح هم جيرازي الوحيد حينئذ إنقاذ طوسكانه من استيلاء الأجنبي عليها وأخذ يفكر كآخر تدبير - رغم معارضة الشعب - في إعادة الدوق الكبير وحمل المجلس التأسيسي على تأجيل البت في الوحدة مع روما، وأجل اجتماعاته اثني عشر يوما وناشد الأحزاب أن تترك الخلافات وأن تتحد في سبيل إنقاذ البلاد، وبذل جهودا خارقة للقضاء على كل شغب.
ومع ذلك فإنه لم يلب دعوته للتطوع إلا فلورنسة وليفورنة، ولاحظ جيرازي أن منصبه أخذ يتضعضع وأبى المعتدلون معاضدته واستعدوهم لجلب الدوق الكبير آملين أنه إذا عاد بواسطتهم سيهدئ من نقمة النمسة ويحل المجلس التأسيسي ويضمن لهم تقلد مهام الحكم.
وبينما كانوا يرسمون الخطط لذلك حدث شغب في فلورنسة؛ وذلك أن جيرازي كان طلب بعض الكتائب من ليفورنه، إما لتجهيزها وتدريبها - كما ادعى - وإما لتقوية موقفه، وكان سلوك أفرادها وأعمالهم فظة بحيث هيجت الفلورنسيين وهاجموا إحدى الكتائب في 11 نيسان، فاستفاد المعتدلون من هذا الشغب واستغلوا الجماهير واستولى القرويون الموالون لهم على المدينة، فأعلن المجلس البلدي نفسه حكومة مؤقتة باسم الدوق الكبير واحتل قصر «بلازو-فيجيو» وطرد أعضاء المجلس، وكان بإمكان جيرازي أن يستمر على المقاومة في بيستونه وليفورنه إلا أنه يئس من الحالة والتجأ إلى كابوني.
Unknown page