وكان موقنا أن النمسة لا توافق على هذا المقترح فيتخذ من رفضها حجة يستغلها ضدها لمصلحة القضية الإيطالية من جهة، وليعلن من جهة أخرى للملأ استحالة قيام حكومة البابا بأية إصلاحات، وقد وعده السفير الإنجليزي والفرنسي بأن يهيئ فرصة للبحث في القضية الإيطالية بعد ما يبت المؤتمر في القضايا المهمة.
وكانت بروسية تقف من القضية موقف العطف، أما روسيا فكانت تريد الانتقام من النمسة، وقبل أن ينفض المؤتمر عرض المفاوض الإفرنسي عليه قضية روما ونابولي وانتقد الحال فيهما باعتدال ثم عقبه المفاوض الإنجليزي بتوجيه التهم لحكومة البابا، والتنديد باستبداد فرديناند طالبا تدخل العالم المتمدن، وأصر المفاوض النمسوي على رفضه الموافقة على البحث في هذه القضية رفضا باتا حال دون الحصول على أي نتيجة.
ولكن كافور نال مبتغاه؛ إذ تأكد أن أكثرية المؤتمر تعطف على القضية عطفا صادقا وأنه ظفر بنقمة أوروبا على الاستبداد، ثم إنه لن يترك الفرصة تمر سدى بل قدم توا مذكرة إلى السفيرين الإفرنسي والإنجليزي عقب ارفضاض المؤتمر؛ أوضح فيها وضع النمسة المسيطر في إيطالية وصعوبة الاحتفاظ بالسلم تجاه تحريكاتها.
وكانت النقطة المهمة في تلك المذكرة كما قال مازيني لفت نظر العالم إلى أنه إذا فشلت الأساليب الدبلوماسية في الحصول على الإصلاحات فإن الأساليب الثورية هي الكفيلة بالحصول عليها، والواقع أن كافور أخذ يفكر في الحرب تفكيرا جديا بعد أن شاهد إخفاق مساعيه السياسية، وراح يتهدد بالتحريض على الثورة في نابولي وباليرمه وإشهار حرب السكاكين على النمسة فيما إذا أخفق في الوصول إلى حل سلمي، والواقع أنه لن يتأخر في زج بيمونته في الحرب فيما لو اقتنع أن الظروف ملائمة حينذاك.
وبعد أن اطلع المفاوض الإنجليزي على المذكرة قال لكافور بعض كلمات اعتبر كافور - خطأ - أنها وعد بالمساعدة من جانب إنجلترة مما جعله يتحفز لخوض غمار الحرب، ولكن إنجلترة عادت إلى صداقتها التقليدية مع النمسة ولم ترغب في تقويض دعائم تلك الصداقة، كما أن فرنسة لم توافق على إغضاب البابا، وعليه فإن المؤتمر لم يسفر عن فائدة عملية لقضية إيطالية، فهاجمته المعارضة في بيمونته ونددت بالنفقات الباهظة التي ذهبت سدى، وتحدثت عن الآمال الخائبة ولكن الواقع أن الربح المعنوي كان عظيما، اعترفت به إيطالية بأجمعها؛ إذ حلت القضية الإيطالية من الآن فصاعدا في المقام اللائق بها من الاهتمام والعناية، وأما النسمة فقد فقدت منزلتها بالدور المخزي الذي مثلته في حرب القريم، وبالدفاع التافه الذي قدمته للمؤتمر حول القضية الإيطالية وكان كافور محقا حين صرح أمام المجلس النيابي: «بأن النمسة أصبحت أمام محكمة الرأي العام.» وأن أوروبا قد اعتبرت بيمونته محامية عن القضية المذكورة، ولما طالبت إحدى صحف تورينو بجمع إعانات لتجهيز قلعة ألكسندرية بمائة مدفع تدفقت التبرعات من جميع أنحاء إيطالية ومن جميع الطليان في أنحاء العالم.
الفصل الرابع والعشرون
الجمعية القومية
1855-1857
لا شك في أن كافور نال مبتغاه في مؤتمر باريس، فقد كسب جانب فرنسة، ومهما كان التدخل الذي أقدمت على القيام به فرنسة وإنجلترة للضغط على روما ونابولي طفيفا؛ فإن ذلك من صنعه، وكان يعلم جيدا أن جيش لويس نابليون سوف يعبر جبال الألبة عاجلا أو آجلا لطرد النمسويين، وكان الرأي العام قد قدر نجاح كافور في المؤتمر، وازداد نفوذه حين صار دكتاتورا في بيمونته، وغدت الأكثرية في المجلس النيابي بيده، أما مجلس الأعيان فخضع له بعد أن هدده بإحداث كراس جديدة فيه.
هكذا أصبح كافور في جميع أنحاء إيطالية رمز الإنقاذ
Unknown page