250

هذا الخليفة يعاضدهم طيلة حياته، وأسس للصوفيين زوايا ومدارس. وازدهرت الصوفية مدة مائة سنة أخرى، إلى أن قدم من آسيا الكبرى امبراطور من السلاجقة، وهو تركي الأصل (183) فأخذ يضطهد هذا المذهب وهرب الصوفيون، فمنهم من قصد جزيرة العرب، وبعضهم الآخر قصد القاهرة. وظلوا حوالي عشرين عاما في المنفى حتى عهد صاصلشاه (184) حفيد ملكشاه. فقد كان مستشار هذا الملك، وهو رجل على درجة عالية من الذكاء، يدعى نظام الملك، كان من أتباع هذا المذهب (185) فأدخل بعض التجديد على هذا المذهب وسانده إلى أن توصل إلى تحقيق المصالحة بين الفقهاء والصوفية بفضل عالم كبير جدا يدعى الغزالي (186) الذي ألف في هذه المادة كتابا مطولا رائعا يقع في سبعة مجلدات. وقد نتج عن هذا الوفاق أن أخذ الفقهاء لقب علماء شريعة محمد (صلى الله عليه وسلم) وحفظتها في حين سمي الصوفيون «شارحي الشريعة ومصلحيها».

وقد قضى التتر على هذا الاتحاد وذلك في عام 656 ه (187). غير أن هذا الانفصال الناجم عن ذلك لم يؤد، مع هذا، إلى إلحاق أي ضرر بالصوفية، لأن آسيا وإفريقيا كانتا قد أصبحتا مليئتين بأتباعها. وفي هذه الآونة لم يدخل فيها سوى الرجال المثقفين في كل المواد ولا سيما الذين يعرفون القرآن الكريم معرفة جيدة كي يستطيعوا الدفاع عن هذه العقيدة وتفنيد العقائد المعادية.

ومنذ مائة عام أصبح كل جاهل يود أن يكون صوفيا، بدعوى أن ليست هناك حاجة لدراسة العقيدة لأن روح القدس تمنح معرفة الحقيقة لكل من كان له قلب طاهر، واستنادا لمزاعم أخرى ليس لها كبير قيمة. ولهذا السبب تخلى الصوفيون عن كل أحكام الإسلام وعن واجباته ونوافله. ولم يعودوا يتقيدون بغير الطقوس المعهودة عند شيوخهم. وراحوا يبيحون لانفسهم كل المتع التي تعتبرها طريقتهم مشروعة. ولهذا

Page 270