مقدمة الكتاب في السبب الموجب لوقعة الجمل قال الشيخ المفيد (1) رحمه الله في إرشاده (2):

روي عن أبي ذر جندب بن عبد الله الغفاري (رضي الله عنه) قال:

دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالمدينة في زمن خلافة عثمان رضي الله عنه فرأيته مطرقا رأسه - كئيبا - فقلت له: جعلت فداك، ما أصاب قومك؟!

فقال عليه السلام: صبرا جميل والله المستعان.

Page 63

فقلت: والله إنك لصبور.

قال: (فماذا أصنع؟!).

قلت: قم وادع الناس إلى نفسك، وأخبرهم أنك أولاهم بالقيام وأحقهم بالأمر، لما فضلك الله تعالى عليهم وعظم شأنك فيهم، وقد سبق لك النص الصريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أماكن عديدة سمعوها منه صلى الله عليه وسلم.

فإن دان لك الكل وتم لك الأمر ذلك ما كنا نبغي، وإلا فلا بد من أن يجيبك عشرة فتميل بهم على المتمردين إخوان الشياطين، فينصرك الله تعالى عليهم، لأنك على الحق وهم على الباطل، وهو قوله تعالى:

ويحق الله الحق بكلمته ولو كره المجرمون (1). وقوله تعالى: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (2).

فقال عليه السلام: (أتراه يا أبا ذر؟!).

قلت: والله، إني لأرجو لك من الله ذلك.

قال عليه السلام: (إني لا أرجو من كل مائة اثنين، ألست تعلم من أين ذلك؟، إنما تنظر الناس إلى قريش، وإن قريشا تقول: إن آل محمد

Page 64

يرون لهم فضلا على سائر الناس، وإنهم أولى بالأمر من دون قريش، وإنهم إن ولوه لم يخرج عنهم هذا السلطان إلى أحد أبدا، وحتى كان في غيرهم تداولتموه بينكم، ولا - والله - لا تدفع قريش إلينا السلطان وهم خاضعون أبدا).

فقلت: أفلا تأمرني أرجع في آخر الناس بمقالتك هذه، فأقم وادعهم إليك.

قال [لي]: (يا أبا ذر، ليس هذا زمان ذلك).

قال أبو ذر رحمه الله: فمضيت إلى العراق، فكلما حدثت الناس بشئ من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام ومناقبه التي أوجبها الله تعالى له على عباده بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم، زبروني وأهانوني، حتى إنهم رموني إلى الوليد بن عقبة فحبسني (1).

قال جدي حسن المؤلف (طاب ثراه) (2): وفي يوم السبت ثامن عشر من ذي الحجة سنة 35 من الهجرة بايعت الناس أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام من المهاجرين والأنصار وقوم من قريش وغيرهم، فمنهم من أظهر الوفاق وهو مصر على النفاق.

فأمر عليه السلام كاتبه عبد الله بن رافع بتقسيم ما في بيت المال على المهاجرين لكل رجل ثلاثة دنانير، ثم على الأنصار مثل ذلك، ثم من

Page 65

حضر من الناس كلهم الأحمر والأسود فيما صنع به مثل ذلك.

فقال سهيل بن حنيف الأنصاري: يا أمير المؤمنين، هذا غلامي بالأمس فأعتقته اليوم (1).

فقال عليه السلام: نعطيه كما نعطيك، فأعطاه ثلاثة دنانير ولم يفضل أحدا على أحد.

وقد تخلف يومئذ عن المبايعة له عبد الله بن الزبير، وجماعة من قريش، وطلحة بن عبد الله، والزبير بن العوام، وعبد الله بن عمر، وسعيد بن العاص، ومروان بن الحكم، وسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وحسان بن ثابت، وأسامة بن زيد، وغيرهم من قريش.

فصعد عليه السلام المنبر، وحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال عليه السلام (2):

(أيها الناس، إنكم بايعتموني على ما بويع (3) عليه غيري من كان قبلي، وإنما الخيار إلى الناس قبل أن يبايعوا فإذا بايعوا فلا خيار لهم، وإن على الإمام الاستقامة (4) وعلى الرعية الإطاعة والتسليم، وهذه بيعة عامة، فمن رغب عنه رغب عن دين الإسلام واتبع غير سبيل الهدى (5)،

Page 66

ولم تكن بيعتكم لي فلتة وليس أمري وأمركم واحدا، ألا وإني أريدكم لله عز وجل وأنتم تريدونني لأنفسكم، وأيم الله، لأنصحن (1) للخصوم، ولأنصفن للمظلوم (2)، وقد بلغني عن (عبد الله وسعد ومروان ومحمد وحسان وأسامة) (3) أمور كرهتها، والحق بيني وبينهم).

قال: فجلسوا جميعا، وتحدثوا نجيا، ثم جاء إليه الوليد بن عقبة بن أبي معيط وقال: يا أبا الحسن، إنك قد وترتنا جميعا! أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا، وخذلت أخي يوم الدار.

وأما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب وكان ثور (4) قريش.

وأما مروان فسخفت (5) أباه عند عثمان إذ ضمه إليه (6).

ونحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما قد صنعنا، وأن تقتل قتلة

Page 67