227

Wahy Wa Waqic

الوحي والواقع: تحليل المضمون

Genres

ويعني السؤال أيضا إعادة توزيع الدخل بسؤال الفقير حقه في أموال الغني، فالمال مال الله. والإنسان مستخلف فيه. له حق الانتفاع والتصرف والاستثمار. وليس له حق الاستغلال والاكتناز والاحتكار. وبالرغم من أن العمل وحده مصدر القيمة لذلك حرم الربا. واستنكف الأنبياء من الإرث والميراث «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ولا نورث»، إلا أنه يحدث أحيانا تفاوت طبقي في المجتمع. وينقسم المجتمع بين أغنياء وفقراء. وتنقسم أساليب الحياة إلى نوعين: حياة بذخ وإسراف وترف للأغنياء، وحياة فقر وجوع وعوز للفقراء.

هنا يكون السؤال عن حق الفقراء في أموال الأغنياء سؤالا مشروعا بل وواجبا. هو سؤال حق وليس سؤال صدقة،

والذين في أموالهم حق معلوم * للسائل والمحروم . وتتكرر الآية مرة أخرى للتأكيد،

وفي أموالهم حق للسائل والمحروم . وقد أكد الرسول هذا المعنى عندما سئل عن معنى الآية هل المقصود بها الزكاة فأجاب: «في المال حق غير الزكاة». وإذا كان المجتمع كالجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى، فمن الطبيعي أن يطالب من لا مال له بحقه في من له مال. ليس السؤال هنا شحاذة على الطريق كما هو الحال في الشوارع وعلى ناصية الطرقات من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والعجزة والمجذومين المجرورين بالعربات أو المحمولين على الأكتاف يسألون الناس مباشرة أو على نحو غير مباشر ببيع مناديل ورق صغيرة أم كبيرة. فهؤلاء نهرهم الرسول وقال فيهم: «لئن يأكل أحدكم من عمل يده خير من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه». وليس عطاء الأغنياء لهم بمد أيديهم من العربات الفارهة المكيفة مصادفة في إشارات المرور الحمراء أو من التوقف للزحام صدقة وكرما ليخزي العين، ويمنع الحسد، ويشرع لكسبه اللامشروع كما يحدث في موائد الرحمن، وهو ما نقده أيضا محمد إقبال وسماه «فلسفة السؤال» عند من يمد يده باسطا إياها إلى السماء كي يسقط فيها الرزق من الله عن طريق الدعاء أو من الناس عن طريق السؤال. فكلاهما شحاذة. وهذا السائل صاحب الحق لا يجوز نهره لأنه يطالب بحقه في المال العام وثروات الأمة،

وأما السائل فلا تنهر . والعطاء من الغني شكر على النعمة واعتراف بها،

وأما بنعمة ربك فحدث . لذلك لا يجوز للفقير السكوت عن المطالبة بحقه في أموال الغني. لذلك قال أبو ذر وأعاده الأفغاني «عجبت لرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج للناس شاهرا سيفه».

السؤال إذن بهذا المعنى، سؤال الفقراء حقهم في أموال الأغنياء، تذكير بأوجه الإنفاق العام للمال الزائد عن الحاجة، المأكل والملبس والمشرب والمسكن والتعليم والعلاج، وهي الحاجات الأساسية للناس. بعد ذلك يبدأ الإنفاق العام على ذوي القربى وهم الأقرباء الذي يعرفهم الأغنياء. والأقربون أولى بالشفعة في الإنفاق والصدقة والبيع والشراء والتزاور والتعاطف والتراحم. وهؤلاء لا يسألون لأنهم معروفون من الأقارب ويتعففون. ثم اليتامى الذين لا عائل لهم. والأمة عائل من لا عائل له. ومن ثم لا يشعر اليتيم بأنه بلا أهل لأن المجتمع أهله. ثم المسكين، أي الفقراء إلى حد الكفاف وتحت خط الفقر، احتراما لآدميته. ومن مقاصد الشريعة الحفاظ على حقوق الآدمي. ثم ابن السبيل وهو المسافر الغريب عندما يحل في بلد. وهم الغرباء المهاجرون المشردون المطرودون، من في حاجة إلى إيواء، سكن وعمل واستقرار. ثم يأتي السائلون في النهاية الذين يطلبون بأنفسهم ولا يعرفون بسيماهم، وهو ما حددته الآية الكريمة،

وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين . وفي الأرض كفاية للجميع. فقد خلقت الأرض للمعيشة والاستقرار والرزق منها. ليست شحيحة بل الإنسان هو الشحيح. يوجد فيها الخير. إن كانت خضراء فللطعام. وإن كانت صحراء فالخير تحتها في المعادن والنفط لتنمية الأرض واستثمار الثروة،

وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين .

لذلك يظلم الغني الفقير إذا سأله جزءا من ثروته. فإذا كان للغني تسعة وتسعون نعجة وللفقير نعجة واحدة فكيف يسأله أن يضم نعجته إلى نعاجه كي يصبح للغني مائة نعجة ويكون الفقير معدما، وينقسم المجتمع إلى من يملكون ومن لا يملكون؟ وهي صورة بليغة منكرة، تنفر منها النفوس. وهي واقعة فعلية. فقد اختصم الأخان الغني الجشع والفقير المهيض الجناح الذي لا نصير له، ضربا بأواصر القربى بالحائط لدى داود،

Unknown page