الفصل الثالث عشر
ولما وصلت حالتي إلى هذه الدرجة من التعاسة والذل لم يمكني أن أحتمل الضيم أكثر من ذلك، وعزمت أخيرا على الانتحار والتخلص من هذا الشقاء، ولكن من أين لي الوصول إلى تنفيذ غرضي، وأنا مطروحة في ذلك السجن المظلم، وليس عندي شيء يسهل على إتمام هذا العزم.
وبينما أنا أفكر في هذا الأمر لم أشعر إلا وقد فتح باب تلك الغرفة الجهنمية، ولاحت مني التفاتة فرأيت ولدي جيلبير مقبلا يحمل إلي الطعام كعادته، ولما وقع نظره علي تهلل وجهه فرحا وناداني بلطف: اسمعي يا أماه؛ فقد جئت أبشرك اليوم بخبر سار.
قلت: وما هو؟
قال: إن والدي عفا عنك وأصدر أمره بإخراجك من هذه الحجرة المظلمة.
فتحركت عندئذ في قلبي عوامل الشفقة والمحبة وانطرحت على جيلبير فعانقته وطفقت أقبله بلهفة، وقد خنقتني العبرات وسالت من عيني الدموع، أما هو فاستطرد الكلام قائلا: أليس هذا الخبر مما يسرك ويفرحك يا أماه؟ وهل لا ترين في رجوعك إلينا وبقائك معنا كل اللذة والانشراح، كما أرى أنا وأخي روبير؟ فكفكفي إذن الدمع ولا تعودي إلى البكاء والنحيب؛ فلسوف نكون دائما بقربك ونسر برؤيتك ونفرح بوجودك ونخرج وإياك كل يوم للنزهة في واسع الخلاء فأية سعادة أعظم من هذه يا أماه.
قلت - وقد حاولت كتمان ما في قلبي: حسنا تقول يا جيلبير؛ فأنا أرى في وجودكما معي كل السعادة والسلوى، ولكن أين أخوك روبير؟ - قد توجه مع والدي إلى «سان مالو» وسيرجعان بعد ظهر اليوم.
إذن أطلب إليك أن تأتيني بقلم وقرطاس؛ لأني أريد أن أكتب كتابا، وأحضر لي أيضا السكين؛ لأنك لم تحضرها مع مائدة الطعام، وعندما يعود أخوك ائت به إلي حالا.
ولكن ألا تريدين أن تغادري هذا السجن وتنزلي معي إلى حيث ترين شمس الضحى وجمال الطبيعة بعد هذا الحبس الطويل.
سوف أفعل ذلك بعد كتابة هذه الرسالة.
Unknown page