قلت: ولماذا؟
قال: حتام تحاولين الكتمان وتتعمدين التجاهل، أليس هو زوجك الذي أخذ مني اليوم مبلغ 20 ألف فرنك، ووعدني بأن يستميلك إلي وينيلني منك سؤلي، وقد وعدته أنا أيضا بأضعاف هذا المبلغ إذا أدركت بغيتي وفزت بوطري.
فلما علمت ذلك سقط هذا الرجل من عيني، وتعجبت كيف أن الدناءة والسفالة تصل ببعض الناس إلى هذا الحد، ثم التفت إلى المسيو «فوستير» الذي كان في ذلك الوقت جاثيا على قدميه أمامي يسترضيني.
أما فوستر فلم يعبأ بهذا التصريح.
ويستعطفني، فقلت له: انهض يا مولاي ودعني أندب سوء حظي؛ لأني أصبحت مثل الأنعام التي تباع وتشرى بأبخس الأثمان، وإني أطلب يا سيدي أن لا تزيد في حزني وهمي، فاذهب إلى حيث تشاء، ولا تعد إلي بمثل هذا الموضوع والآن أستودعك الله؛ لأنه قد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى.
قلت ذلك ثم خرجت من أمامه غاضبة، ودخلت إلى غرفتي فانطرحت على سريري وطفقت أذرف الدموع السخينة على ما وصلت إليه حالتي من التعاسة والشقاء، وكنت في ذلك الوقت أناجي نفسي قائلة: يا لله ما هذا الحال؟ هل سمع أحد أن زوجا باع عرض زوجته بهذا الثمن البخس، فهل لم يكف راعول أنه بدد ثروة أولاده على بنات الهوى وربات الغنج والدلال، وأهان زوجته إلى هذا الحد حتى إنه باع عرضها لذلك التاجر الغني بمبلغ لا يزيد عن 20 ألف فرنك؛ فوا خجلاه ووا فضيحتاه.
وبينما أنا على هذا الحال أنوح وأبكي لم أشعر إلا وقد فتح الباب، ودخل جيلبير وروبير مهرولين فانطرحا بين ذراعي وسألاني عن سبب حزني وكدري، وسمعت صوت طارق على الباب الخارجي فكفكفت الدمع وقلت لهما: ليس بي شيء؛ فاذهبا لمقابلة أبيكما المحبوب؛ فإني أسمع وقع أقدامه الآن.
وعلى إثر ذلك دخل راعول إلى غرفتي فنظر إلي نظرة الغضب الممزوج بالحزن، ولكنه لم يبد حراكا، ولم يفه ببنت شفة؛ فعلمت أنه اطلع على كل ما جرى بيني وبين صديقه فوستير، وبعد مضي يومين أنبأني زوجي بأن لديه أشغالا ضرورية تضطره إلى مبارحة القرية والتوجه إلى مدينة «نانت»، ولكنه لا يعلم متى يرجع من سفره، وعلى ذلك أعد ما يلزمه لهذا السفر، وودع ولديه، ثم رمقني بعين الحنو والخداع، وسار قاصدا مدينة «نانت».
الفصل التاسع
لما سافر راعول إلى «نانت» بقيت أنا وحدي مع خادمتي «دانيز» وهي فتاة على جانب عظيم من الحسن والجمال استخدمها زوجي في خدمتنا على إثر زواجي ببضعة أشهر، ولكن هذه الخادمة مع ما كانت عليه من جمال الخلق اشتهرت بفساد الأخلاق وسوء النية ودناءة الطبع، وقد ظهرت لي منها أمور كثيرة تؤكد عندي هذا الظن، وكنت عزمت على فصلها من الخدمة وطردها، ولكن إرادة زوجي أبت إلا صدى من هذا العزم، واتضح لي أخيرا أن تلك الخادمة كانت عشيقة زوجي وخليلته؛ فكظمت حينذاك غيظي وصبرت على هذه المصيبة العظيمة، وكنت أتعجب كيف أن الاندفاع والتهور في الفساد يقود صاحبه إلى درجة الجنون والعمى، حتى يستحل وضع زوجته الشرعية وخليلته الفاسقة في بيت واحد وتحت سقف واحد!
Unknown page