86

لما خرج كلود ووالده من الباب، نهض دان بحماسة أكبر من المعتاد، وخرج وراءهم. لم يرد أن يترك وحده مع السيدة ويلر. ظلت قابعة في نهاية مائدة الإفطار التي كانت عليها أطباق الحلوى. لم تذرف عيناها الدموع. انسدلت غمامة على عينيها. انحنى ظهرها بشدة كأن حملا ثقيلا كان جاثما فوقه. رفعت ماهيلي الأطباق بهدوء.

في الحقول الطينية، أنهى كلود حديثه مع والده. قال إنه يريد الذهاب دون أن يودع أحدا. وقال متوردا: «تعلم أني عادة ما أسير في طريق ولا أكمله حتى النهاية. لا أريد الحديث عن هذا الأمر حتى أتأكد من الالتحاق به. ربما أرفض لسبب أو لآخر.»

ابتسم السيد ويلر. «لا أظن ذلك. وعلى أي حال، سأطلب من دان أن يبقي فمه مغلقا. هلا ذهبت إلى منزل ليونارد دوسن وأحضرت مفتاح الربط الذي اقترضه؟ أوشك الوقت على الظهيرة، وعلى الأرجح ستجده في المنزل.» كلود وجد ليونارد الضخم يسقي خيوله عند طاحونة الهواء. لما سأله ليونارد عن رأيه في خطاب الرئيس، قال من فوره إنه ذاهب إلى أوماها من أجل التجنيد. مد ليونارد يده وسحب الذراع التي كانت تتحكم في العجلة شبه الثابتة. «يستحسن أن تنتظر بضعة أسابيع وسأذهب معك. سأحاول الانضمام إلى قوات البحرية. إنهم يعجبونني كثيرا.»

وقف كلود على حافة الخزان، وكاد أن يسقط إلى الخلف. «عجبا، من أجل ماذا؟»

رمقه ليونارد بنظرة فاحصة. «يا إلهي، كلود، لست الشخص الوحيد هنا الذي يتخذ القرارات المهمة في عائلته! هل تسأل عن السبب؟ حسنا، سأخبرك»، ورفع ثلاث أصابع حمراء كبيرة مهددا: «بلجيكا، لوسيتينيا، إيديث كافل. هذه القذارة تزعجني. سأزرع الذرة وسيعتني والدي بسوزي حتى عودتي.»

التقط كلود نفسا طويلا. «حسنا يا ليونارد، لقد خدعتني. أنا صدقت كل ذاك الهراء الذي أخبرتني إياه بشأن عدم الاهتمام بمصير أي من القوتين المتنازعتين.»

اعترض ليونارد: «وأنا لا أهتم ولو بمقدار ذرة! ولكن لكل شيء حدا. كنت مستعدا للذهاب منذ حادثة السفينة لوسيتينيا. لم يعد هذا المكان يمنحني أي قدر من الإحساس بالرضا. وتشعر سوزي بالشيء نفسه.»

نظر كلود إلى جاره الضخم. «حسنا، أنا ذاهب غدا يا ليونارد. لا تخبر أهلي بهذا، ولكن إن لم أستطع التجنيد في الجيش، فسأتقدم إلى البحرية. فهم لا يرفضون أبدا أي رجل صحيح وقوي. لن أعود إلى هنا.» مد يده وأخذها ليونارد بقوة. «حظ سعيد يا كلود. ربما نلتقي في أراض أجنبية. ولن تكون هذه مزحة! أرسل تحياتي إلى إنيد عندما تراسلها. دائما ما كنت أعتقد أنها فتاة جيدة، على الرغم من أني لا أوافقها في مسألة حظر الكحوليات.» عبر كلود الحقول شارد الذهن، ومن دون أن ينظر إلى أين يذهب. وتحولت قدرته على الرؤية إلى داخله الذي كان يرى فيه مشاهد وأحداثا خيالية بالكامل حتى الآن.

9

في يوم مشرق من أيام يونيو، ركن السيد ويلر سيارته في صف السيارات الواقف أمام مبنى المحكمة الجديد المبني من الطوب المضغوط في فرانكفورت. كان يقبع مبنى المحكمة في ميدان مفتوح، ويحيط به بستان من أشجار الحور القطني. اجتز المرج منذ مدة وجيزة، وكانت الزهور يانعة في أحواضها. عندما دخل السيد ويلر إلى قاعة المحكمة بالطابق العلوي، وجدها ممتلئة بالفعل حتى نصفها بالمزارعين وأهل المدينة الذين كانوا يتحدثون بنبرة منخفضة، بينما كان يسمع طنين ذباب الصيف داخل النوافذ المفتوحة وخارجها. القاضي، الذي كانت إحدى يديه مبتورة، وشعر رأسه وسالفاه بيضا، كان يجلس على مكتبه يكتب بيده اليسرى. كان من أوائل المستوطنين في مقاطعة فرانكفورت، ولكن لما ينظر المرء إلى معطفه ذي الذيل المشقوق وسلوكياته الدمثة، قد يعتقد أنه أتى من كنتاكي البارحة وليس منذ ثلاثين عاما. في ذلك الصباح، كان عليه أن ينظر في اتهام بعدم الولاء ضد اثنين من المزارعين الألمان. أحد المتهمين كان هو أوجست يودر - أقرب جار إلى عائلة ويلر - والآخر هو ترويلس أوبرليس - وهو ثري ألماني يعيش في الجزء الشمالي من المقاطعة.

Unknown page