83

ضحك كلود. «اجلسي يا أمي. انتظري يوما أو يومين. امنحيهم وقتا.»

قال إرنست بكآبة: «ستنتهي الحرب قبل أن تستطيع واشنطن فعل شيء يا سيدة ويلر، ستموت إنجلترا من الجوع وستسحق فرنسا وتسوى بالأرض. سينزل كل الجيش الألماني على الجبهة الغربية الآن. ما الذي يمكن أن يفعله هذا البلد؟ في رأيك، كم يستغرق تكوين جيش؟»

توقفت السيدة ويلر للحظات عن مشيها المضطرب، وتلاقت عيناها بنظرته الكئيبة. «لا أعلم شيئا يا إرنست، ولكني أومن بالكتاب المقدس. أومن أننا سنتغير في طرفة عين!»

نظر إرنست إلى الأرض. كان يحترم الإيمان . وعلى حد قوله، لا بد من احترام الإيمان أو احتقاره؛ لأنه لا يوجد شيء ثالث يمكن فعله.

جلس كلود متكئا بمرفقيه على المائدة. «نعود دوما إلى الموضوع ذاته يا أمي. حتى لو كان بإمكان جيش بدائي أن يفعل أي شيء، فكيف يمكننا الوصول إلى هناك؟ ها هو أحد المسئولين من القوات البحرية يقول إن الألمان يطلقون الغواصات بمعدل ثلاث غواصات في اليوم. من المحتمل ألا ينطلقوا إلى هنا إلى أن يصبح لديهم غواصات كافية للسيطرة على المحيط.» «لا أدعي القول إننا يمكننا تحقيق شيء يا بني. ولكن يجب أن نتخذ موقفا محددا، ولو من الناحية الأخلاقية. ما فتئوا يخبروننا طوال الوقت أنه يمكننا مساعدة قوات الحلفاء خارج ميادين القتال أكثر من داخلها؛ لأنه يمكننا إرسال الذخائر والمؤن. إذا وافقنا على سحب تلك المساعدة، فماذا سيكون موقفنا؟ إننا بمساعدة ألمانيا نبدو طوال الوقت كأننا نهتم بمصلحتنا الخاصة! إن كان البديل الوحيد أمامنا هو الغرق في عمق البحر، فالأفضل أن نكون هناك!» «أمي، اجلسي من فضلك! لا يمكننا حل المسألة الليلة. لم أرك منزعجة بشدة إلى هذه الدرجة من قبل.» «أبوك منزعج بشدة هو الآخر، وإلا لما أرسل قط تلك البرقية.» أخذت السيدة ويلر سلة أدوات الخياطة الخاصة بها على مضض، وتبادل الفتيان أطراف الحديث بروح الصداقة القديمة الهادئة.

لما غادر إرنست، مشى كلود معه مسافة بعيدة حتى وصل إلى منزل آل يودر، ثم عاد عبر الحقول التي يغطيها ركام الثلوج تحت التألق البارد لنجوم الشتاء. لما كان ينظر إلى تلك النجوم، كان يشعر أكثر من أي وقت مضى أن لا بد أن يكون لها علاقة بمصير الأمم، وبالأشياء غير المفهومة التي كانت تحدث في العالم. في هذا الكون المنظم، لا بد من وجود عقل يمكنه حل لغز هذا الكوكب غير السعيد، ويعلم ما كان يتشكل في الخسوف المظلم الذي كان يحدث في تلك الساعة. كان هناك سؤال معلق في الهواء؛ فوق كل هذه الأرض الهادئة من حوله ومن فوقه، ومن فوق أمه حتى. إنه كان يخاف على بلده، كما كان في تلك الليلة التي كان فيها على درج مبنى المجلس التشريعي في دنفر، في الوقت الذي كان لا يتوقع فيه اندلاع هذه الحرب التي كانت مخفية في رحم الزمان.

لم ينتظر كلود وأمه مدة طويلة. بعد ثلاثة أيام، علما أن سفير ألمانيا طرد واستدعي السفير الأمريكي من برلين. في نظر كبار السن، مثل هذه الأحداث كانت مسائل محل تفكير ونقاش، ولكن كان يراها الفتية أمثال كلود مسائل حياة وموت؛ أي مصيرية.

7

في صباح يوم عاصف، أخذ كلود العربة الكبيرة إلى المدينة لإحضار حمولة أخشاب. بدأ الجليد يذوب على الطرق، وتلطخت القرية باللون الأسود، وبدا منظرها متسخا. كانت تقبع قشور الثلج الرمادية هنا وهناك على الطين الأسود، مثقبة مثل قرص العسل، وتبرز من خلالها سيقان الأعشاب الرطبة. لما كانت العربة تجلجل على الأرض المرتفعة التي توجد فوق فرانكفورت تماما، لاحظ كلود علما جديدا لامعا يرفرف فوق قبة المدرسة. لم يسبق أن رأى العلم من قبل، وكان يعني سوى يوم الرابع من يوليو، أو تجمهرا سياسيا. رأى العلم اليوم كأنه يراه للمرة الأولى؛ لا تجمعات، لا ضوضاء، لا خطباء؛ بقعة ذات ألوان مضطربة ترفرف في سماء مارس الماطرة.

حاد عن طريقه من أجل أن يمر بالمدرسة الثانوية، وأوقف الخيول، وانتظر عدة دقائق حتى دق جرس الظهيرة. كان الأولاد والبنات الكبار يخرجون أولا ومعهم حشد من معاطف المطر والشماسي. بعد قليل، رأى جلاديس فارمر - لابسة قبعة ومعطف مطر مصنوعين من المشمع، وكان المعطف أصفر اللون - وأشار إليها. أتت إلى العربة.

Unknown page