82

6

خشيت السيدة ويلر ألا يشعر كلود بالراحة في بيته القديم بعدما أصبح له منزله الخاص. وضعت أفضل كرسي هزاز ومصباح قراءة في غرفة نومه. غالبا ما كان يقضي كل المساء في غرفته واضعا يديه فوق عينيه ويتظاهر بالقراءة. عندما كان يمكث في الطابق السفلي بعد العشاء، كانت والدته وماهيلي تشعران بالامتنان. بالإضافة إلى جمع صور الحرب، أصبحت ماهيلي الآن تبحث بين المجلات القديمة في العلية عن صور عن الصين. علمت في التقويم الكبير المعلق في المطبخ على اليوم الذي كانت ستصل فيه إنيد إلى هونج كونج.

عندما كانت تقف عند الحوض لغسيل أطباق العشاء، كانت تقول: «سيد كلود، إنه لوضح النهار الآن في المكان الذي توجد فيه السيدة إنيد، أليس كذلك؟ لأن الأرض كروية، وبسبب وجود الشمس فهي مشرقة هناك عند شعوب البشرة الصفراء.»

من وقت لآخر، عندما كانت تتشارك السيدة ويلر العمل مع ماهيلي، فإنها كانت تخبر ماهيلي عما تعرفه عن عادات الصينيين. لم تنشغل المرأة العجوز بأمرين غير شخصيين في وقت واحد من قبل، وكانت تعرف بصعوبة ما ينبغي فعله في تلك الحالة. كانت تتمتم لكلود ولنفسها في الوقت نفسه قائلة: «لا توجد حرب في المكان الذي توجد فيه السيدة إنيد، أليس كذلك؟ ولن تضطر إلى ارتداء ملابسهم لأنها امرأة بيضاء. ولن تدعهم يئدون بناتهم ولا يرتكبون هذه الأفعال الشنيعة التي دأبوا عليها، كذلك لن تدعهم يصلون لأصنامهم لأنها لا تنفعهم ولا تضرهم. أنا أحترم السيدة إنيد لأنها تعمل الأعمال الصالحة طوال الوقت.»

ولكن خلف هذه المونولوجات الدبلوماسية، كان لدى ماهيلي أفكارها الخاصة، وقد صدمت بشدة بسبب سفر إنيد. خشيت أن يقول الناس إن زوجة كلود قد «هربت وتركته»، وفي جبال فيرجينيا التي تشكلت فيها معاييرها الاجتماعية، يصبح الزوج أو الزوجة اللذان تفرقا هكذا محط سخرية كبيرة. وفي إحدى المرات أوقفت السيدة ويلر في ركن مظلم من القبو، وهمست إليها قائلة: «زوجة السيد كلود لن تمكث هناك مثل أختها، أليس كذلك؟»

إذا صادف أن وجد أحد أبناء آل يودر أو سوزي دوسن في بيت ويلر من أجل تناول العشاء، لا تبرح ماهيلي تذكر اسم إنيد بصوت عال. «زوجة السيد كلود تقطع البطاطس وهي نيئة في المقلاة وتقليها. إنها لا تغليها أولا مثلما أفعل. أعلم أنها طباخة ماهرة، أعلم أنها كذلك.» كانت تشعر أن ذكر اسم الزوجة الغائبة بالخير يلطف الأجواء.

أصبح إرنست هافل يزور كلود الآن، ولكن ليس كثيرا. شعر كلاهما أنه لا يليق تجديد الصداقة الحميمة القديمة. كان لا يزال إرنست يشعر بالحزن لعدم قدرته على تناول الجعة التي كان يحبها، وكأن إنيد انتزعت الإبريق من شفتيه بالإجراء الذي أسهمت في إقراره. كان يعتقد - مثل ليونارد - أن كلود خسر بزواجه، ولكنه بدلا من أن يشعر بالأسف تجاهه أراد أن يراه قد اقتنع بذلك ويلقى عاقبة قراره. لما تزوج كلود إنيد نشز عن المبادئ الليبرالية؛ ومن ثم كان عليه أن يدفع ثمن ردته. لما أتى إرنست لأول مرة كي يقضي إحدى الأمسيات في منزل آل ويلر بعد عودة كلود للعيش فيه، أخذ على عاتقه توضيح مسوغات اعتراضه على مسألة حظر الكحوليات. هز كلود كتفيه تعبيرا عن اللامبالاة. «هلا أنهينا النقاش؟ بطريقة أو بأخرى، إنها مسألة لا تهمني.»

شعر إرنست بالإهانة، ولم يكرر الزيارة لمدة شهر تقريبا؛ في الحقيقة لم يكررها حتى إعلان ألمانيا أنها ستكمل حرب الغواصات من دون قيد أو شرط؛ وهو ما دفع الجميع إلى النظر بريبة إلى جاره.

دخل إلى مطبخ آل ويلر في الليلة التي تلت وصول تلك الأخبار إلى البلدة الريفية، ووجد كلود وأمه جالسين على المائدة يقرأ كل منهما للآخر من الجرائد بصوت عال أوقاتا قصيرة. لم يكد إرنست يجلس حتى رن جرس الهاتف. رد كلود على المكالمة.

لما وضع السماعة، قال: «إنه عامل الإبراق في فرانكفورت. أبلغني رسالة من أبي أرسلها من مدينة راي يقول فيها: «سأعود إلى المنزل بعد غد. اقرءوا الصحف.» ما الذي يعنيه بذلك؟ ماذا يظن أننا نفعل؟» «يعني أنه يظن أن وضعنا بالغ الخطورة. لا يتوقع منه إرسال برقية إلا في الشدائد.» نهضت السيدة ويلر ومشت إلى الهاتف بذهن شارد، وكأن بإمكانه أن يفصح أكثر عن حالة زوجها المزاجية. «ولكن يا لها من رسالة غريبة! إنها موجهة لك أيضا يا أمي، وليس لي فحسب.» «يعلم شعوري إزاء ذلك. بعض أهل والدك كانوا من معتادي ركوب البحر من بورتسمث. إنه يعلم ما يعنيه إخبار سفننا بالأماكن التي يمكنها أو التي لا يمكنها الذهاب إليها عبر المحيط. لا يمكن أن توجه واشنطن هذه الإهانة لنا. التفكير بتلك الطريقة في هذا الوقت - من بين كل الأوقات - يستدعي أن تئول إدارة البلاد إلى الديمقراطيين!»

Unknown page