48

نظرت إنيد إليه نظرة متفحصة. «فاجأني سماع ذلك؛ إنه متحدث جيد. ومن الأفضل أن تأتي معي. لا يصح أن توجد تلك الجفوة مع أساتذتك القدامى.»

بعد مرور ساعة، استقبل القس آرثر ويلدون الشابين في غرفة الاستقبال ذات الإضاءة الخافتة في منزل السيدة جليسون، حيث كان يتصرف كأنه يتقاسم ملكية المنزل مع السيدة. بعد محادثة ودية استمرت بضع لحظات بين صاحبة المنزل والزائرين، استأذنت منهما لأن لديها اجتماعا تابعا للمنظمة التعليمية النسوية الخيرية. نهض الجميع لما همت بالرحيل، واقترب السيد ويلدون من إنيد وأخذها من يدها، ووقف ينظر إليها وهو يخفض رأسه وعلى شفتيه ابتسامة غامضة. «إنها لسعادة غير متوقعة أن أراك مرة أخرى يا آنسة إنيد. وأنت أيضا يا كلود»، والتفت قليلا إلى كلود. «هل أتيتما معا من فرانكفورت في هذا اليوم الجميل؟» بدا أن نبرة صوته كانت تقول: «كم هذا رائع بالنسبة إليك!»

كان يوجه معظم كلامه إلى إنيد، وتحاشى - كما هي عادته دائما - النظر إلى كلود إلا عندما يوجه الحديث إليه مباشرة. «هل تزرع هذا العام يا كلود؟ أظن أن هذا يسر والدك أيما سرور. وهل صحة السيدة ويلر على ما يرام؟»

قطعا لا يحمل السيد ويلدون أي ضغينة تجاه كلود، ولكنه لا يبرح يلفظ اسمه وكأنه يقول «كلد»، وهذا يغضب كلود. كانت إنيد تنطق اسمه بتلك الطريقة أيضا، ولكنه إما أنه لم يلاحظ ذلك منها وإما أنه لا يمانع ذلك منها. غاص في أريكة عميقة لونها داكن، وجلس واضعا قبعة القيادة على ركبته، وسحب القس ويلدون كرسيا باتجاه النافذة الوحيدة المفتوحة في الغرفة الخافتة الضوء، وبدأ يقرأ خطابات كاري رويس. ومن دون أن يطلب منه أحد، قرأها بصوت عال، وكان يتوقف من وقت لآخر كي يدلي بتعليقاته. لاحظ كلود بخيبة أمل أن إنيد تستسيغ كل تعليقاته المملة تماما كما تفعل والدته. لم ينظر إلى ويلدون كل هذه المدة من قبل. سقط الضوء كله على رأس الشاب الذي له شكل الكمثرى، وعلى شعره الخفيف المموج. ما الذي يمكن أن يعجب سيدتين رزينتين مثل والدته وإنيد رويس في رجل صوته يشبه صوت القطط ويرتدي ربطة عنق بيضاء؟ استقرت عينا إنيد السوداوان عليه بتعبير ينم عن احترام عميق. لقد كانت تنظر إليه وتتحدث إليه بإحساس أكثر مما كانت تظهر تجاه كلود.

قالت بجدية: «كما تعلم أيها القس ويلدون، ليس من طبيعتي الاختلاط كثيرا بالناس. وأرى أنه يصعب علي أن أولي الاهتمام اللازم للعمل الكنسي وأنا داخل البلاد. يبدو لي كأنني دائما ما أبقي نفسي على استعداد للعمل في المجال الخارجي؛ أعني بعدم الدخول في علاقات شخصية. إن ذهبت جلاديس فارمر إلى الصين، فالجميع سيفتقدونها. لا يمكن لأحد أن يحل محلها في المدرسة الثانوية. كانت تنعم شخصيتها بجاذبية تجذب الناس إليها. ولكني دائما ما أفكر في فعل ما تفعله كاري. أعلم أن لي فائدة هناك.»

كان كلود يعلم أنه لم يكن سهلا على إنيد أن تقول هذا. بدا الاضطراب على وجهها، واقترب حاجباها الداكنان أحدهما من الآخر، وكونا زاوية حادة وهي تحاول إخبار القس الشاب بما يدور في عقلها تحديدا. استمع منتبها ومبتسما كعادته، وأخذ يرتب صفحات الخطابات المطوية ويتمتم: «نعم، أفهم. حقا آنسة إنيد؟»

عندما ألحت عليه في طلب النصيحة، قال إنه ليس من السهل على الدوام معرفة المجال الذي يمكن أن يكون فيه الإنسان مفيدا؛ ربما منحها هذا الكبح للمشاعر انضباطا روحيا كانت بحاجة إليه على وجه الخصوص. كان يحرص على عدم توريط نفسه في أي شيء، وعدم إبداء نصيحة غير مشروطة سوى الصلاة. «أعتقد أن كل الأمور تتكشف أمامنا في الصلاة يا آنسة إنيد.»

شبكت إنيد يديها؛ الحيرة جعلت ملامحها تبدو أكثر حدة. «ولكن في وقت الصلاة يصبح هذا النداء في أقوى حالاته. يخيل لي أن إصبعا يوجهني إلى هناك. أحيانا، عندما أطلب الهداية في الأشياء الصغيرة، لا تأتيني الهداية ولا أشعر إلا بأن عملي يقع في مكان بعيد، وأنني ربما سأمنح القوة من أجل القيام به. وإلى أن أسلك ذلك الطريق، يحجب المسيح نفسه عني.»

أجابها السيد ويلدون بنبرة توحي بالخلاص، وكأن شيئا غامضا تجلى أمامه. «إن كان الحال ما تقولين يا آنسة إنيد، فأعتقد أنه لا داعي للقلق. إذا كان النداء يأتي إليك في الصلاة، وهذه رغبة مخلصك، فلا ريب عندنا بأن الطريق وسبل الوصول إليه ستنجلي. يحضرني في هذه اللحظة ما قاله أحد الأنبياء: «هنذا قد جعلت أمامك بابا مفتوحا ولا يستطيع أحد أن يغلقه.» يمكن القول إن هذه البشارة كانت موجهة في الأساس إلى إنيد رويس! أعتقد أن الرب يحبنا أن نرى بعض كلماته وكأنها أنزلت فينا.» تلفظ بذلك التعليق الأخير مازحا، وكأنه دعابة خاصة بجمعية المسعى المسيحي. قام وأعاد الخطابات إلى إنيد. من الواضح أن الحوار انتهى.

بينما كانت إنيد تلبس قفازها، أخبرته أن الحديث معه أفادها كثيرا، وأنه يبدو لها دائما أنها تجد ما ترنو إليه عنده. تساءل كلود يا ترى ماذا تقصد. فهو لم ير من ويلدون سوى التقهقر أمام أسئلتها المتلهفة. على الرغم من كونه «ملحدا»، فإن بإمكانه منحها دعما أقوى.

Unknown page