45

لم تسر قط الشئون العائلية للسيد رويس على نحو جيد مثل عمله. لم يرزق بولد، ولم ينجح إلا في تنشئة فتاتين فقط من بين خمس فتيات. يقول الناس إن منزل الطاحونة رطب وغير صحي . ولم يستطع السيد رويس الإبقاء على العمال في الطاحونة مدة طويلة حتى بنى كوخا ووظف رجلا متزوجا كي يتولى شئونها. إنهم كانوا يشتكون من كآبة المنزل وعدم الحصول على ما يكفي من الطعام. وفي كل صيف، كانت السيدة رويس تذهب إلى مصحة خاصة بنظام الأكل النباتي في ميشيجان، حيث تعلمت العيش على المكسرات والحبوب المحمصة. لا شك أنها كانت تعد طعاما لعائلتها، ولكن لم يحدث أن قدمت وجبة في النهار يمكن أن يتطلع إليها المرء مبتهجا أو يتناولها مسرورا. ولذا، اعتاد السيد رويس أن يتناول العشاء في الفندق في المدينة. ومع ذلك، تميزت زوجته ببعض الإنجازات الرائعة في الطهي. كانت تعد خبزا لا غبار عليه. وعندما كان يقترب موعد عشاء في الكنيسة، فدائما ما كانت تدعى من أجل تحضير صلصة المايونيز الرائعة أو كعكة أنجل فود الخاصة بها؛ لا شك في أنها أخف كعكة إسفنجية بين أي مجموعات من الكعك.

لما كانت السيدة رويس لا تكف عن التفكير بصحتها، فهذا جعلها تبدو كأنها تصارع حزنا خفيا أو يفترسها ندم يهلكها. وولد ذلك لديها نوعا من الانعزال. لقد كانت تعيش بطريقة مختلفة عن الآخرين، وتلك الحقيقة جعلتها متشككة ومتحفظة. كانت لا تشعر أن أحدا يفهمهما ويحوطها بالتعاطف إلا عندما تكون في المصحة تحت رعاية أطبائها المحبوبين.

انتقل تشككها إلى بنتيها، وصبغ مشاعرهن تجاه الحياة بالعديد من الطرق البسيطة. نشأت هاتان الفتاتان وهما يشعران بأنهما مختلفتان؛ ولذا لم تكونا صداقات حميمة. جلاديس فارمر كانت هي الفتاة الوحيدة في فرانكفورت التي تكثر الذهاب إلى منزل الطاحونة. ولم يفاجأ أحد من ذهاب كارولين رويس - الابنة الكبرى - إلى الصين في مهمة تبشيرية، ولا من عدم اعتراض أمها على سفرها. على أي حال، كان الناس يقولون إن نساء عائلة رويس يتمتعن بالغرابة؛ ولما ذهبت كاري أملوا أن تنشأ إنيد وتصبح أقرب إلى أبناء قريتها في تربيتهم. لقد كانت تلبس ملابس أنيقة، وتأتي كثيرا إلى المدينة بسيارتها، وكانت مستعدة دوما لإنجاز أعمال من أجل الكنيسة أو المكتبة العامة.

إضافة إلى ذلك، كان أهل فرانكفورت يعتقدون أن إنيد بالغة الجمال، وهي صفة تشجع على الاندماج في المجتمع. كانت نحيفة ولها رأس صغير وجميل، وبشرة شاحبة وناعمة، وعينان غائمتان كبيرتان سوداوان برموش كثيفة. الخط الطويل الممتد من شحمة أذنها إلى طرف ذقنها أضفى على وجهها ضربا من الجمود، ولكن النساء العجائز - وهن أفضل النقاد في تلك المسائل - يعتبرن أن هذا المظهر كان ينم عن حزم وكرامة. كانت حركتها سريعة ورشيقة، كأنها تمسح الأشياء بفرشاة بدلا من أن تلمسها؛ بحيث يوحي مظهرها بأنها تحلق بجسدها النحيف وتنزلق بعيدا عن الأشياء المحيطة بها. عندما كانت تقدم مدرسة الأحد مشاهد تمثيلية صامتة أو متحركة، كانت تختار إنيد من أجل تجسيد شخصية نيديا - فتاة بومبي الكفيفة - والشهيدة في لوحة «المسيح أو ديانا». شحوب بشرتها والميل الخانع لجبهتها وعيناها السوداوان الثابتتان، كل ذلك كان يجعل من يراها يظن أنها «من المسيحيين الأوائل».

في صباح ذلك اليوم الذي كان أحد أيام شهر مايو، عندما كان كلود ويلر يسرع الخطى باتجاه الطاحونة، كانت إنيد في الساحة واقفة بجانب تعريشة كروم مقامة بالقرب من السياج، إذ خرجت من تحت ظلال الأشجار الكثيفة. كانت تعزق الأرض التي حرثت بالأمس وتعمل أخاديد لإسقاط البذور فيها. عند منعطف الطريق بالقرب من شجر الصفصاف القديم المتشابك، رأى كلود فستانها الوردي المعالج بالنشا، وقلنسوتها الشمسية البيضاء الصغيرة. فتقدم مسرعا.

نادى وهو يتقدم إلى السياج: «مرحبا، هل تزرعين؟»

إنيد التي كانت محنية في الزراعة في تلك اللحظة استقامت بسرعة، ولكن من دون أن تجفل. «عجبا، كلود! ظننت أنك كنت في مكان ما في الغرب. هذه مفاجأة!» نفضت الغبار عن يديها وصافحته بأصابعها البيضاء اللينة. ذراعاها، العاريتان من أسفل الكوع، كانتا رفيعتين، وبدتا باردتين كأنها ارتدت ملابس الصيف قبل أوانها. «عدت لتوي هذا الصباح. أنا متوجه إلى المنزل. ماذا تزرعين؟» «زهور بازلاء عطرية.» «دائما ما تزرعين أجود أنواع هذه الزهور في القرية. عندما أرى مجموعة منها في الكنيسة أو في أي مكان، أتعرف عليها دوما.»

اعترفت قائلة: «نعم، أحقق نجاحا كبيرا في زراعة زهور البازلاء العطرية. الأرض خصبة هنا، وتتعرض لقدر كبير من أشعة الشمس.» «ليست زهور البازلاء العطرية فحسب. لا أحد لديه زهور الليلك أو الزهور المتسلقة هذه، وأظن أنك الوحيدة في مقاطعة فرانكفورت التي لديها كرمة ويستاريا.» «زرعت أمي تلك الزهور منذ مدة طويلة، عندما قدمت إلى هنا أول مرة. إنها تحب كرمة الويستاريا كثيرا. أخشى أن تذبل منا في أحد فصول الشتاء القارس هذه.»

تحدث بإعجاب: «أوه، سيكون هذا وصمة عار! اعتني بها جيدا. يجب عليك تخصيص قدر كبير من الوقت للاعتناء بهذه الأشياء على أي حال.»

اتكأت إنيد على السياج، وأزاحت قلنسوتها الصغيرة إلى الخلف. «أظنني أهتم بالزهور أكثر من اهتمامي بالناس. كثيرا ما أحسدك يا كلود؛ لديك العديد من الاهتمامات.»

Unknown page