وفاسدُ النظر في الشبهة ليسَ بطريقٍ للجهل والشك والظنِّ وغَلبةِ الظن.
فصل
والدلالةُ على صِحةِ النظرِ، وكونِهِ طَريقًا إلى العلم بحال المنظورِ فيه، قَولُه تعالى: ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ [الحشر: ٢]، وَجميعُ آياتِ الحثِّ على النظر في دَلائل العِبَر، مثل قوله: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾ [العنكبوت: ٢٠]، ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [الذاريات: ٢٠ - ٢١]، وَمُحالٌ ان يُحيلَنا على النظر حَثًا لنا على إثبات ما وَراءَ المشاهدات، وليسَ بطريق العلم.
وأيضًا: فإن حُصول العلم بحالِ المنظور فيه عقيبَ صحيحِ النَّظر، دلالة على أنه طريق، إذ لو لم يكن طَريقًا لم يحصل عَقيبه.
وأيضًا: فإنه لا يَخلو أن يكون النَظر صَحيحًا أو فاسدًا، فإن كانَ صَحيحًا فهو ما نَقوله، وإن كانَ فاسدًا فلا يَخلو أن يكون فَساده مَعلومًا ضرورةً، فيجب أن يَشترك في ذَلك العُقلاء، إذ الضرورات من العلوم لا يَختلف فيها كل من تَتَجه نحوه العلوم الضرورية. أو يكون مَعلومًا بطريق الاستدلال والنظر، فقد صح لنا مَعرفةُ شيءٍ من المعلومات بالنظر، فما بالكم جَحدتم أن يكون النظر طَريقًا؛! وهذا إثبات لما نَفَيتُموه، وكُل أمر لا يمكن نَفيه إلا بإثباته واجب لا مَحالة.
فإن قيل: أتعلمون صحةَ النظر ضرورةً أم بدليل، فإن كان ضرورةً وَجب أن نَشْرَكَكُم في العلم وكل مَنْ خالفكم، وذلك باطل، وإن كانَ