وحسبك بهذه الفوائد مغريا لك ومنشطا، ولا تنس أن الترجمة إلى لغتك القومية تشبه - من وجوه كثيرة - الطريقة التي اقترحتها عليك من قبل، وهي طريقة حل الشعر، كما أنها تشبه ما طلبته إليك، من صوغ ما تقرأه من كلام البلغاء الممتازين في لغتك في أسلوب يتناسب مع جماله ودقته وحسن أدائه!»
الطالب : «ألا يتفضل علي سيدي الأستاذ بإرشادي إلى قطعة بعينها من كلام البلغاء، أتخذها نموذجا أحتذيه، وأنسج على منواله؟»
الأستاذ : «حاول جهدك أن تقلد القطعة التالية مثلا - بعد أن تستوعبها قراءة وفهما - وهي لأشهر كتاب العربية «ابن المقفع»، ويجدر بك أن تتبع في محاكاتها الطريقة التي أسلفت لك شرحها، وإليك القطعة المنثورة: «زعموا أن ناسكا كان يجري عليه من بيت رجل تاجر في كل يوم رزق من السمن والعسل، وكان يأكل منه قوته وحاجته ويرفع الباقي، ويجعله في جرة فيعلقها في وتد في ناحية البيت حتى امتلأت، فبينما الناسك ذات يوم - مستلقيا على ظهره، والعكازة في يده، والجرة معلقة على رأسه - تفكر في غلاء السمن والعسل فقال: «سأبيع ما في هذه الجرة بدينار، وأشتري به عشرة أعنز؛ فيحبلن ويلدن في كل خمسة أشهر بطنا ؛ ولا تلبث إلا قليلا حتى تصير غنما كثيرة إذا ولدت أولادها.»
ثم حرر على هذا النحو بسنين؛ فوجد ذلك أكثر من أربعمائة عنز، فقال: «أنا أشتري بها مائة من البقر، بكل أربعة أعنز ثورا أو بقرة؛ وأشتري أرضا وبذورا، وأستأجر أكرة
2
وأزرع على الثيران، وأنتفع بألبان الإناث ونتاجها، فلا يأتي علي خمس سنين إلا وقد أصبت من الزرع مالا كثيرا؛ فأبني بيتا فاخرا، وأشتري إماء وعبيدا، وأتزوج امرأة جميلة ذات حسن؛ ثم تأتي بغلام سري نجيب، فأختار له أحسن الأسماء، فإذا ترعرع أدبته وأحسنت تأديبه، وأشدد عليه في ذلك، فإن يقبل مني، وإلا ضربته بهذه العكازة.»
وأشار بيده إلى الجرة فكسرها؛ فسال ما كان فيها على وجهه!
هوامش
في العام السادس1
كنت في العام الذي ولى صغيرا
Unknown page