222
بالرماح ويلهبون جسمه بالسياط، وهو على ذلك يتحدث إليهم حديث من لا يحفل بما كانوا ينالونه به من الأذى، وربما اشتد عليه البأس فعقد لسانه عن القول برهة، وأجرى على جبينه شيئا من عرق، ثم لا يلبث أن تثوب إليه نفسه، ويعود إلى التحدث إلى معذبيه في بعض أمرهم، كأنهم لم ينالوه بمكروه، وما يزالون به يعذبونه بالحديد والنار والسياط، وما يزال بهم يعذبهم بهدوئه وثباته وتحدثه إليهم في أيسر أمورهم، حتى إذا أملهم أو كاد يملهم ضاعفوا له العذاب، وخرجوا في ذلك عن أطوارهم، فيسعى إلى صهيب شيء من ذهول، ثم يأخذه شيء يشبه السكر، فيمضي في حديثه، ولكنه يقول للقوم غير الصواب، ويعرف القوم أنهم قد بلغوا منه بعض ما كانوا يريدون فيكفون
223
عنه مكاويهم ورماحهم وسياطهم، وأشهد لقد انصرفت عن هؤلاء القوم وإني لبعض أمرهم لكاره.
قال الحارث بن هشام: اسكت لا يسمعك ابن عمك فيصيبك منه بعض ما تكره.
كذلك كان الشباب من قريش يعجبون بأولئك الرهط
224
المعذبين ويعجبون منهم، يستهزئون بهم طورا ويعطفون عليهم طورا آخر.
وأما المستضعفون والرقيق، فكانوا يرون الشر ويعينون عليه حين يطلب إليهم أن يعينوا عليه، تكرهه نفوسهم وترضى عنه ألسنتهم؛ قد ملأ الخوف أكثرهم، وتسرب الحب والإشفاق إلى قلوب فريق منهم، فهم ينتهزون الفرص ويتربصون بقريش الدوائر،
225
Unknown page