فإن قالوا: فأخبرونا ما الإيمان عندكم؟ قيل: الإيمان هو التصديق بالله، وهو العلم. والتصديق يوجد بالقلب! فإن قال: فما الدليل على ما قلتم؟ قيل: إجماع أهل اللغة قاطبة على أن الإيمان قبل نزول القرآن وبعثة النبي ﷺ هو التصديق. لا يعرفون في اللغة إيمانًا غير ذلك، ويدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ (^١) أي بمصدق لنا، ومنه قولهم: فلان يؤمن بالشفاعة، وفلان لا يؤمن بعذاب القبر، أي: لا يصدق بذلك، فوجب أن الإيمان في الشريعة هو الإيمان المعروف في اللغة؛ لأن الله ما غير اللسان العربي ولا قلبه" (^٢).
ثانيًا: ما ورد من آيات وأحاديث تدل على أن الإيمان في القلب كقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ﴾ (^٣). وقوله ﷺ لأسامة بن زيد: "أفلا شَقَقْتَ عن قَلْبِهِ" (^٤).
ثالثًا: إن الله فرَّق بين الإيمَان والعمل في أكثر من موضع، منها قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾ (^٥). والعطف يقتضي المغايرة.
قال شيخ الإسلام في الرد عليهم بعد نقله لكلام الباقلَّاني السابق: "هذا عمدة من نصر قول الجهمية في مسألة الإيمان، وللجمهور من أهل السنة وغيرهم عن هذا أجوبة.
(^١) سورة يوسف، الآية: ١٧.
(^٢) التمهيد للباقلاني ص (٣٨٩)، وانظر: الإنصاف للباقلاني ص (٥٥)، والفتاوى لابن تيمية (٧/ ١٢٢).
(^٣) سورة النحل، الآية: ١٠٦.
(^٤) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلَّا الله، ح/ ٩٦، (٢/ ٤٦٢).
(^٥) سوة العصر، الآية: ٣.