344

مئونة زائدة ، كذلك كل من أقسام الوجوب يحتاج إلى مئونة زائدة ، فليس بعضها أقل مئونة عن الآخر ، بل الأقل مئونة من الجميع هو الجامع أعني مطلق الطلب ، فلا بد عند الإطلاق من حمل الهيئة على الجامع المشترك بين الندب والوجوب بتمام أقسامه.

فتعيينه حينئذ في خصوص الوجوب دون الندب ، وفي خصوص التعييني دون التخييري ، وفي خصوص العيني دون الكفائي ، وفي خصوص النفسي دون الغيري مضافا إلى عدم كونه حملا لها على ما هو أقل مئونة يكون ترجيحا بلا مرجح ؛ فإن الندب مساو مع الوجوب في المئونة ، فالحمل على خصوص أحدهما ترجيح بلا مرجح ، وكذا الكلام في التعييني مع التخييري والعيني مع الكفائي والنفسي مع الغيري.

قلت : الحق أن الوجوب أقل مئونة من الندب وبيانه أن الإرادة متى تعلق مخالبها بالمراد فليس فيها تطرق العدم وليس فيها عدم الفعل ، بل هي صرف الاقتضاء للوجود والفعل مثل الإرادة الفاعلية ، فهل يمكن تخلفها عن المراد؟ وهل يتطرق فيها العدم ، بل متى تحققت الإرادة من الفاعل صدر منه الفعل عقيبها ، وليس ذلك إلا لأن الإرادة معناها اقتضاء الفعل وليس فيها تطرق العدم ، فالإرادة الآمرية التشريعية أيضا حالها حال الإرادة الفاعل.

والفرق بينهما أن العبد في الإرادة الآمرية صار بمنزلة العضلات للمولى ، فالمولى من حيث ما يكون من قبله من تشريع الإرادة يقتضي بإرادته من العضلات التنزيلية إيجاد الفعل من دون تطرق العدم كالفاعل حيث يقتضي بإرادته إيجاد الفعل بواسطة العضلات ، وإذن فالمشرع متى أبقى الإرادة التي شرعها بحالها كانت إيجابا قهرا.

وأما الندب فهو محتاج إلى أن يشرع مشرع الإرادة بعد تشريعها الترخيص والإذن في الترك ؛ فإن الإرادة قد حدثت بنفس تشريعه ، فإذا ضم نفس المشرع الإذن في الترك إليها صارت ندبا ، فعلم أن الندب مئونته أكثر من مئونة الوجوب ، ولهذا يحمل إطلاق اللفظ الموضوع للطلب وهو الهيئة على الوجوب.

Page 347