274

«فصل»

الحق أن للعموم لفظا يخصه ويدل عليه بالحقيقة لا بالمجاز ولا بالاشتراك بينه وبين الخصوص ككلمة «كل» و «الجميع» ونحوهما بشهادة التبادر ، وأما ما يقال من أن التخصيص قد شاع بحيث قيل : ما من عام إلا وقد خص فالأولى أن يقال بوضع هذه الألفاظ للخصوص ؛ إذ تقليل المجاز أولى من تكثيره.

ففيه أولا أن استلزام التخصيص للتجوز ممنوع ، وذلك لأن العام المخصص يمكن فيه ثلاثة وجوه ،

الأول أن يستعمل في الخصوص مجازا وكان الخاص قرينة على إرادة الخصوص من العام عند الاستعمال.

والثاني أن يراد بالعام في مقام الاستعمال العموم الشامل للخاص أيضا ، ولكن في مرحلة الحكم علق الحكم على ما سوى الخاص واغمض النظر عن الخاص ، ففي قولنا : أكرم العلماء إلا زيدا يكون العلماء مستعملا في تمام الأفراد حتى الزيد ، ولكن خصص الحاكم حكم وجوب الإكرام عند إنشائه بما سوى الزيد وأغمض نظره عنه.

والثالث أن يراد بالعام في مقام الاستعمال العموم أيضا وعلق الحكم على المجموع أيضا لكن كان حكما صوريا نظير الحكم الصوري في مقام التقية فلا يطابق الجد واللب.

وبعبارة اخرى لنا إرادة استعمالية وهي إرادة المعنى من اللفظ عند التلفظ ، وإرادة جدية وهي الثابتة واقعا الناشئة عن الأغراض ، والغالب تطابق الإرادتين ، وقد يتخالفان كما في التقية ، والأصل في مورد الشك هو التطابق ، فالمراد الجدي في قوله : أكرم العلماء إلا زيدا هو وجوب إكرام ما سوى الزيد ولكن إنشاء الحكم بحسب الصورة في موضوع العلماء الشامل للزيد أيضا ، وقوله : إلا زيدا قرينة على خروج الزيد عن المراد الجدي ، وواضح أنه على الوجهين الأخيرين لا تجوز في البين أصلا ، فالتخصيص غير ملازم للتجوز حتى يلزم من كثرته كثرة المجاز.

وثانيا لو سلم الملازمة بين التخصيص والتجوز فلا محذور بعد قيام القرينة على المجاز مع مساعدة الوجدان على كون اللفظ حقيقة في خصوص العموم.

Page 277