ملاحظة الابتداء الملحوظ حالة للغير وهذا الإجمال يحمل عليه بالحمل الشائع الصناعي أنه مستقل باللحاظ ومعنى اسمي ، وبالحمل الذاتي أنه غير مستقل فيه ومعنى حرفي ، وهو إجمال وعنوان تفصيله ومعنونه نفس المعنى الحرفي ، والوضع إنما يكون بإزاء واقعه ونفس معنونه.
فنقول : حال المستعمل في ذلك حال الواضع بعينه ؛ ضرورة أن مستعمل الحرف يلتفت إلى أنه يستعمله في ما ذا ، والفرض أن الالتفات التفصيلى يخرج المعنى عن كونه حرفيا ، فلا بد أن يتعلق لحاظه والتفاته إلى عين ما تعلق به لحاظ الواضع وهو المعنى الاسمي الذي هو عنوان للمعنى الحرفي ، لا بمعنى أنه يحتاج في مقام الاستعمال إلى لحاظين : لحاظ العنوان ولحاظ المعنون ، بل يكفي لحاظ العنوان وحده ، ويصير الحرف مستعملا في نفس المعنون قهرا ، فلو كان لهذا المعنى الاسمي الملحوظ منصرف إليه أو أمكن تعيينه في فرد خاص بضميمة المقدمات يسري ذلك إلى معنى الحرف قهرا.
ولهذا يرى أنه مع صحة استعمال كلمة «في» في ربط اللباس باللابس كما يقال : الصلاة في لباس كذا حكمه كذا ، وصحة استعمالها في ربط المحمول بالحامل كما يقال : الصلاة في محمول كذا حكمه كذا ، لو قيل : الصلاة في الشيء النجس باطلة ، يحمل على اللباس دون المحمول ؛ لتحقق الظرفية على وجه الحقيقة في الأول دون الثاني ، هذا مع أن كلام المجيب منقوض بما اعترف هو به من حمل معنى هيئة الأمر وهو الوجوب المطلق على الوجوب النفسي بمقدمات الحكمة مع كونه معنى حرفيا.
فالحق في الجواب أن يقال : إن فائدة تلك المقدمات تعيين المطلق في الفرد الأخف مئونة ، مثلا الوجوب التعييني يتحقق بمجرد جعل الوجوب متعلقا بموضوع وإبقائه بحاله من دون ضم عدل إلى هذا الموضوع ، بخلاف التخييري فإنه يحتاج مع ذلك إلى ضم العدل ، فلو قال : أكرم زيدا وسكت عن قوله : أو عمروا مثلا يستكشف من عدم ذكر هذا مع كونه بصدد البيان أن مراده جعل الوجوب على نحو التعيين دون التخيير ؛ إذ لو لم يرد أحد النحوين لأراد المهملة وهو خلف ؛ إذ المفروض كونه في مقام البيان ، ولو أراد التخييري لذكر العدل ، والمفروض عدم
Page 255