بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد فلما كان كتاب الأصول الأصيلة الذي الفه العالم الرباني المولى محمد محسن الفيض القاساني - قدس الله روحه ونور ضريحه - كتابا مفيدا وأثرا نافعا وكان السيد السند البارع الحاج السيد نصر الله التقوى - أحسن الله قراه وأكرم في الجنة مثواه - ممن يحب آثار ذلك العالم ويستفيد منها ويلتذ منها بمطالعتها ويجتهد في تحصيل المخطوط النادر منها، وكان قد عزم في أواخر عمره على أن يطبع وينشر بعضها لكن الاجل لم يمهله حتى يعمل بهذه النية فلذلك أقدم نجله الفاضل الجليل الخير الحاج السيد جمال الدين الأخوي - لا زال موفقا لطبع الكتب النافعة البهية ونشر الصحف المفيدة المطوية - على هذا الامر جريا على ما هو المعهود من سيرته الجارية وعادته المستمرة في تعظيم شعائر الدين وتشييد قواعد الشرع المبين بنشر نسخ من الكتب القيمة الزاهية واحياء آثار من الاسفار الدينية الباقية، فبذل نفقة طبع الكتاب حتى ينتفع به أولو الألباب ويكون ذخيرة لهما يوم يقوم الحساب.

فليعلم ان هذا الكتاب من نفائس كتب ذلك العالم فلنشر إلى ما يدل على ذلك. قال المصنف - أعلى الله درجته - في فهرس مصنفاته ما نصه:

" ومنها - كتاب الأصول الأصيلة يشتمل على عشرة أصول مستفادة من الكتاب والسنة وأخبار أهل البيت عليهم السلام مبينة بالبيانات الصريحة ومؤيدة بشواهد العقول الصحيحة يتعرف منها كيفية استنباط المسائل الدينية والأحكام الشرعية أصولا وفروعا

Page 3

من مآخذها، ومنزلته من الكتب المصنفة في أصول الفقه منزلة علم اليقين من الكتب الكلامية، لا شبيه له في مصنفات القوم فيما أحسب، يقرب من ألفين وثمانمائة بيت، وقد صنف في سنة أربع وأربعين بعد الألف ".

وقال في آخر المقدمة الأولى من مقدمات كتاب الوافي:

" وقد أشبعنا الكلام في تحقيق هذه الكلمات وتشييدها بالآيات والروايات في كتابنا الموسوم بسفينة النجاة وفي الأصول الأصيلة وغيرهما من المصنفات ".

وقال أيضا في الوافي لكن في أواخر باب اختلاف الحديث والحكم (ص 54 - 53 من المجلدة الأولى من الطبعة الثانية ):

" والاخبار في هذا المعنى كثيرة وقد أوردنا شطرا منها في كتابنا المسمى بسفينة النجاة وفي كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة ".

أقول: هذا الكتاب أكبر من سفينة النجاة وأكثر نفعا منه وأجمع للفوائد ويدل عليه ما ذكره في وصفه في فهرسه وهو قوله:

" ومنها - كتاب سفينة النجاة في تحقيق أن مآخذ الأحكام الشرعية ليست الا محكمات الكتاب والسنة وأحاديث أهل العصمة سلام الله عليهم وأن الاجتهاد فيها والاخذ باتفاق الآراء ابتداع في الدين واختراع من المخالفين، وهو كتاب جيد العبارات حسن الإشارات يقرب من ألف وخمسمائة بيت، وقد صنف في سنة ثمان وخمسين بعد الألف ".

وأنت إذا تدبرت في هذه العبارة وفيما ذكره في تعريف الأصول الأصيلة ظهر لك صدق ما ادعيناه.

ويشير إليه أيضا قوله (ره) في آخر الفصل التاسع من كتاب سفينة النجاة (ص 101 من النسخة المطبوعة):

" إلى غير ذلك من الأصول الكلية التي يتفرع عليها الجزئيات وقد ذكرنا طرفا منها في كتابنا الموسوم بالأصول الأصيلة فليطلبها من أرادها من هنالك مع تتمة للكلام وبسطة في ذلك ".

ثم ليعلم ان هذا الكتاب كالخلاصة من فوائد المدنية للعالم الشهير المولى محمد امين

Page 4

الاسترآبادي - قدس الله تربته - وأراد المصنف - أعلى الله درجته - في أول هذا الكتاب الحاضر بقوله (ص 1):

" ثم ألفيت بعض فضلائهم مصرحا بأكثرها في جملة خيالات مخترعة وآراء مبتدعة عاليا صوته فيه بالنداء بل غاليا بكلامه في الأداء حتى كاد ان يخطئ الحق بالاعتداء ويفرط عن وسط الحق إلى جانب الردى " إياه، وكذا أراده بقوله في آخر الفصل العاشر من كتاب سفينة النجاة (ص 111 من النسخة المطبوعة):

" ومنهم من سبقنا إلى ذلك مع دعاء ونداء الا أنى لم أجده بهذه الطريقة عاملا ولا أراه فيه كاملا كأنه لم يصر بعد من الأحرار أم يظن أن مخالفة الجمهور ومتاركة المشهور من العار ".

أقول: حيث إن نسخة الفوائد المدنية مطبوعة منتشرة وهذا الكتاب الحاضر أعني الأصول الأصيلة أيضا طبع ونشر وجعل بين يدي الطالبين فلا حاجة إلى الخوض في تحقيق ما ذكره المصنف (ره) في حق المولى محمد امين - أعلى الله درجته - فعلى من أراد المقايسة بين الكتابين فليراجعهما ويقض بنظره في ذلك الا ان المصنف (ره) لم ينصف لأنه ان أراد بما ذكره في حق المولى محمد أمين (ره) انه قد خرج في بعض الموارد عن حد حسن التعبير في حق بعض العلماء - قدس أسرارهم جميعا - فهو حق وما كان ينبغي للمولى المذكور ان يرتكبه الا ان المصنف نفسه أيضا ارتكب مثله بل أشد مما ارتكبه الأمين في كتابه في كتاب سفينة النجاة، (ولولا ذلك العيب فيه لجددت طبعه الواقع في سنة 1379 وجعلته ضميمة لهذا الكتاب الحاضر) وان أراد غير ذلك كما يظهر من كلامه المنقول عن سفينة النجاة من تحميله نظره إياه بأنه لم لم يعمل بمثل ما عمل هو به من مخالفة المشهور و متاركة الجمهور فهو ليس بشئ لأنه أمر نظري فما أدى إليه نظره أخذ به وما لم يؤد إليه نظره مما لم يأخذ به فهو وظيفته الشرعية كما هو ظاهر لمن عمل بالانصاف وتجنب الاعتساف، وكيف كان، لا ينبغي لمثلي ان أخوض في مثل هذه المقامات فمن كان صالحا لمثل هذه الأمور من أهل الحل والعقد والرد والقبول فعليه الخوض في ذلك، رحم الله معاشر علمائنا الماضين

Page 5

الغابرين، وأعلى درجاتهم عنده بحق محمد وآله الطاهرين.

فائدة وممن نقل عن هذا الكتاب الحاج محمد كريم خان الكرماني فإنه نقل في كتابه فصل الخطاب أحاديث كثيرة من هذا الكتاب (انظر ص 60 - 63) الا انه قد عبر عن اسم الكتاب بلفظ " الأصول الأصلية " كما أن الشيخ آقا بزرگ (ره) أيضا قد عبر عن هذا الكتاب بهذا الاسم في الذريعة الا أنه اشتباه والصحيح ما ذكرناه ويعلم ذلك من تعبير المصنف (ره) عن اسمه في أول كتابه فراجع هناك، وذلك أنه (ره) قال " فهذه أصول أصيلة تبتنى عليها فروع جليلة " وأنت خبير بأن كلمة " جليلة " لا تكون سجعا الا لموازنها وهي " أصيلة " مضافا إلى ما هو المصطلح المتعارف بين أهل العلم والأدب من قولهم " أصل أصيل وركن ركين " ونظائرهما فالأصيلة على زنة فعيلة (بفتح الهمزة وكسر الصاد وفتح اللام والتاء في الاخر) لا على الأصلية (بياء النسبة وتاء التأنيث في آخر كلمة الأصل) كما توهمه الفاضلان المشار إليهما.

بقى علينا شئ وهو أن المصنف - أعلى الله مقامه - قد صرح ضمن تعريفه لكتابه " الأصول الأصيلة " كما مر نقله انه (ره) فرغ من تصنيفه في السنة الرابعة والأربعين بعد الألف وهذا التأريخ لا يلائم ما ذكره في آخر الأصول الأصيلة وهو قوله: " تمت الأصول الأصيلة الكاملة واتفق لضعف تأريخ تصنيفه هذا الكلام " وذلك لان حاصل جمع أعداد حروف هذه الكلمات اثنان وثمانون وألفان فيكون نصفه أحدا وأربعين وألفا فبين الكلامين تخالف ومن ثم قال العالم الجليل الشيخ آقا بزرگ الطهراني - طاب ثراه - ضمن الكلام حول كتاب الأصول الأصيلة ما نصه (انظر من الذريعة ج 3، ص 178):

" وقال في آخره: ان قولنا تمت الأصول الأصيلة الكاملة، موافق لضعف تأريخ التصنيف، يظهر منه ان فراغه كان سنة 1041 لكنه ذكر في فهرس تصانيفه ان فراغه كان سنة 1044 ".

Page 6

وهو كلام صحيح واعتراض متين.

أقول: من أراد ترجمة المصنف (ره) أو أراد ان يلاحظ كلمات المفهرسين في حق هذا الكتاب أعني " الأصول الأصيلة " فليراجع كتب التراجم والفهارس فان هذا المختصر لا يسع أكثر مما ذكرنا الا أنه ينبغي أن يشار هنا إلى مطلب وهو أنى ترجمت هذا الكتاب ونقلته إلى اللغة الفارسية وأضفت إليه فوائد جمة ومطالب مهمة حسبما اقتضاه المقام وانجر إليه الكلام، وكان ذلك قبل هذا الزمان بثلاثين سنة تقريبا، والرجاء أن يوفقنا الله لطبعه ونشره أيضا كما وفقنا لطبع أصله ونشره، والسلام على من اتبع الهدى.

وكان تحرير ذلك لخمس ليال بقين من المحرم الحرام سنة تسعين وثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبوية موافقا لهذا التاريخ الهجري الشمسي 13 / 1 / 1349 مير جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث

Page 7