لكنه فيما يرى «العقاد» حول «ميثهرا» من إله إلى ملاك موكل بهداية الصالحين لمساعدة «هرمز» في كفاحه ضد جحافل الظلام.
15
وليست الديانة الزرادشتية سوى تلك التي نعرفها في الإسلام بالمجوسية، لكن المجوسية عادت إلى فكرة وجود الشر أولا، وفسرت ذلك بأن «هرمز» و«أهرمان» كانا توءمين في باطن الزمن، فاحتال «أهرمان» بخبثه وشره الفطري، فشق لنفسه مخرجا إلى الوجود قبل «هرمز» الطيب، وهنا تدخل الزمن الأب ليحد من سلطان الشر على العالم، بأن أرسل «زرادشت» نبيا؛ ليعزز إله الخير «هرمز»، في محاربة «أهرمان» وجنده، وذلك بهداية البشر إلى طريق الخير فيكونون جنودا لهرمز.
وافترضت هذه العقيدة أن يستمر الصراع اثني عشر ألف سنة، يظهر على رأس كل ألف سنة إمام مهدي من بيت «زرادشت»، يقود الكفاح من أجل انتصار الخير على الشر، ويساعد البشر في التخلص من تأثير «أهرمان» ووسوساته، وبانتهاء المدة تقوم القيامة، وساعتها يحكم الدنيا الإمام المهدي الثاني عشر، ويسود السلام بعد أن تقوم القيامة، ويحكم فيها على «أهرمان» وجنوده ومن تبعه من البشر بالخلود في الجحيم، ولعل التشابه بين هذه الاعتقادات الفارسية وبين ما جاء في اعتقادات الفرق الشيعية الإمامية أوضح من أن يشار إليه.
كما أنه ليس بخاف أن ظهور فكرة إمام من نسل «زرادشت» يعيد للإنسانية أمنها وسلامها، كان ناتجا طبيعيا لنضوج الأوضاع الاجتماعية آنذاك والانقسامات الطبقية الحادة، فتحول العقل إلى البحث عن العزاء والراحة في عالم مقبل، يحكمه مهدي منتظر، يقضي على الشر والاضطهاد. كما أصبحت فكرة وجود إله شر مريحة للعقل، تساعده على الهرب من بحث الظروف الموضوعية التي تتحكم في حياته الاجتماعية، ومصدر الشر الحقيقي فيها، وهكذا جاءت المجوسية للإنسانية بمشجب مريح تعلق عليه كل الأخطاء والهفوات والتبريرات والمعاذير، وتصرف الطبقات المطحونة عن تغيير أوضاعها الفعلية إلى انتظار طوباوي لما في المستقبل الآتي. (6) الشيطان اليهودي
بداية، يصعب على الباحث أن يجد لدى اليهود إلها خاصا بالشر، لكن المطالع لمرحلة ما بعد التيه يمكنه أن يجد إشارات غامضة، تتضح بالتدريج مع فقدانهم أمان الاستقرار السالف في مصر، وبعد ما حدث بينهم في سيناء من صراع دموي، فظهرت فكرة إله مساو لإلههم «يهوه» في القدرة، هو السبب المباشر فيما وقع بهم من مصائب أسموه «عزازيل»، وتحاشيا لشر «عزازيل» قاموا يقدمون له القرابين كما يقدمونها إلى «يهوه» أو كما جاء في كتابهم المقدس: «... ويلقي هارون على التيس قرعتين، قرعة للرب، وقرعة لعزازيل.» ويرجح «لودز» أن «عزازيل» كان علما على شيطان أو جني اعتقد اليهود أنه يسكن الصحاري.
16
وفي كتاب «إبليس» يؤكد المرحوم «عباس العقاد» أن «عزازيل» هو اسم إله الخراب والقفار،
17
بينما يذهب آخرون إلى أنه زعيم الملائكة الذين هبطوا وزنوا ببنات البشر، ثم انهزموا أمام جنود الخير فلاذوا بالصحراء، أما نحن فنزعم أن «عزازيل» اليهود هذا ليس سوى «عزازيل» الذي كان يلقب به إله الهلال البابلي «سين»، وكان يصور في هيئة التيس، أو على الأرجح أنه كان إله التيوس مرموزا له بالهلال، للتشابه بين الهلال وبين قرني التيس، ولعل ذلك ما يفسر لنا صورة الشيطان في اللوحات الفنية مزودا بقرنين وحوافر وذنب.
Unknown page