Tiamat » رمز القوى العمياء الشريرة في الوجود، كانت هي البحر الأول المظلم في الوجود - ولم يزل اسمها علما على السهل الحجازي تهامة - حتى جاء النور ممثلا في «مردوك
Marduk » رب الضياء، فدخل معها صراعا عنيفا انتهى بالقضاء عليها؛ ومن ثم فرغ لتنظيم السموات والأرض، بعد أن باركها لتكثر خيراتها.
6
والأمر نفسه نجده في كنعان (فلسطين والأردن وسوريا ولبنان)، إن الأصل كان غمرا مظلما مسيطرا هو «يم»، يفرض السكون والفوضى على الوجود، حتى ظهر الإله «بعل» فقضى على «يم» من أجل تثبيت النظام والخير في الأرض، لكن أتباع «يم» قاموا يحاربون البعل بقيادة الإله الشرير «موت»، من أجل أن يستعيد الموت والسكون سيادة الدنيا. فتصدى لهم البعل مرة أخرى، لكن ليدخل مع «موت» هذه المرة في صراع أبدي، ويتناوبان الهزيمة والنصر، فمرة ترجح كفة «بعل»، فيكسب الجولة، فتسود الدنيا الخيرات نماء وخصبا، ومرة ترجح كفة «موت» فيغشى الأرض سكون الموت وفوضى الجفاف.
7 ،
8
ولنا أن نرى في هذه الأسطورة خطوة ارتقائية أخرى للعقل البشري، سوغت له تفسير التناوب الفصلي لشهور السنة، وما يستتبعه من تأثيرات على الأرض إن خصبا أو جدبا، وما زالت اللغات السامية ومنها العربية، تستعمل اسم الإله «موت» للدلالة على حالة السكون أو الموت، كبقايا أثرية، أو حفريات لغوية - إن جاز التعبير - لتدلل على المراحل التطورية التي مرت بها العقلية البشرية ارتقائيا. (4) الشيطان الفارسي
يبدو أن العقل البشري لم يستسغ الاستمرار في الاعتقاد بأن أصل الوجود هو الشر والظلام، فأراد أن يعطي إله النور والخير أولوية الوجود، وفي الوقت نفسه يسوغ بطريقة ما وجود إله الشر، ونظن أول هذه المحاولات التي لبست ثوبا فلسفيا قد جاءت في عقيدة «كيرمرث» الفارسية، وإن كنا لا ننكر ما سبقها من محاولات خاصة في مصر الفرعونية، ويلخص لنا «د. علي النشار» عقيدة «كيرمرث» فيقول: «إن أول الموجودات كان إله النور والخير «هرمز» - لم يزل اسمه علما على مضيق الخليج العربي - ففكر في ذاته متسائلا: لو كان لي منازع كيف يكون؟ وبمجرد أن طرأت هذه الفكرة على خاطره، حتى وجد هذا المنازع فعلا، فظهر الظلام بعد أن كانت الدنيا دائمة الضياء، نتيجة مجيء إله الشر «أهرمان» إلى الوجود، فقام إله الخير «هرمز» بخلق كل الملائكة والبشر ليساعده ضد غريمه «أهرمان»، لكن «أهرمان» قام بخلق كل الكائنات الضارة، وأخذ يؤثر بأتباعه الأشرار على البشر لينضموا إليه، وهكذا بدأ الصراع بين إله الخير أو النور، وبين إله الشر أو الظلام.»
9
ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى اعتقاد قدماء الفرس في إله نور وخير قبل «هرمز» اشتهر باسم «ميثهرا» وهو إله زراعي؛ أي إله خصب ونماء وضياء
Unknown page