ـ[أسد الغابة]ـ
المؤلف: عز الدين بن الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري (ت ٦٣٠)
الناشر: دار الفكر - بيروت
عام النشر: ١٤٠٩هـ - ١٩٨٩م
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
Unknown page
[المجلد الأول]
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
الحمد للَّه والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه وبعد فإن الأمم الحية الناهضة تهتم بتاريخها، وتعتنى بدراسته دراسة فاحصة تكشف كل ما تضمنه من آثار وأسرار وأخبار، وتجلو ما فيه من عبر ينتفع بها أولو الأبصار.
وليس ذلك لونا من ألوان الترف الفكرى، وإنما هو ضرورة تقتضيها مصلحة الأمة ربطا للحاضر بالماضي وليكون بناء المجتمع على أساس متين.
وأمة العرب أمة ناهضة ازدهر تاريخها منذ الإسلام، وكان لها في قارات العالم أثر أي أثر، كان لها أثر في آسيا وفي إفريقيا وفي أوربا، لقد حملت إلى هذه القارات مشاعل الهداية والعلم، والحضارة والمدنية، حملت إليها الرسالة المحمدية بكل مبادئها وتعاليمها وفضائلها ومثلها، وأثرت فيها تأثيرا كبيرا.
والشخصيات التي حملت هذا العبء بعد صاحب الرسالة هي شخصيات الصحابة أولئك الذين كانوا مفخرة العالم، وهداة الإنسانية، وروادها الأفاضل.
ولا عجب فقد كان لهم الفضل عليها حين حملوا إليها تعاليم الرسالة وصورة الرسول متمثلة في أقوالهم وأفعالهم ورواياتهم.
لقد كان كل منهم يحرص على أن يحاكيه في حركاته وسكناته وكلماته.
كان كل منهم يحرص على أن يعيش في ظلال صاحب الرسالة ليذكر بذكره، ويحظى بشرف الانتساب إليه لقد خرّجت المدرسة المحمدية في سنوات قليلة لم تزد على ثلاثة وعشرين عاما تلاميذ يعدون بالآلاف، لم يستطع التاريخ المنصف على الرغم من كثرتهم ووفرتهم أن يتجاهل واحدا منهم حتى أولئك الذين لم يبلغوا الحلم بل جاء إليهم حاني الرأس في إجلال وإكبار يفتش عن أخبارهم وينقب عن آثارهم، ويتعمق في البحث عن أسرار حياتهم.
ولم توجد مدرسة في الدنيا قديما ولا حديثا اهتم التاريخ بتقصى أخبار جميع أبنائها صغارا وكبارا غير المدرسة المحمدية، فهي وحدها التي عنى بها التاريخ وظفر جميع المنتسبين إليها باهتمامه البالغ.
1 / 3
فضل الصحابة والكتب التي الفت فيهم
يكفى الصحابة تنويها بهم وإشادة بفضلهم قوله تعالى:
مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا من الله وَرِضْوانًا سِيماهُمْ في وُجُوهِهِمْ من أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ في التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ في الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ الله الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ٤٨: ٢٩ سورة الفتح- ٢٩ لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا من دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا من الله وَرِضْوانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ من قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ من هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جاؤُ من بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ في قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ ٥٩: ٨- ١٠ سورة الحشر ٨- ١٠ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ من الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَدًا ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ٩: ١٠٠ سورة التوبة- ١٠٠ ويكفى الصحابة تكريما قول النبي ﷺ:
«الله الله في أصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك أن يأخذه» أخرجه ابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا الترمذي ٢- ٣١٩ وبشرح ابن العربيّ ١٣- ٢٤٤ عن عبد الله بن مغفل وقوله ﷺ:
«لا تسبوا أصحابى» لا تسبوا أصحابى، فو الّذي نفسي بيده، لو أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أدرك مد أحدهم ولا نصيفه» أخرجه مسلم عن أبى هريرة ٤- ١٩٦٧ وأخرجه ابن ماجة ولفضل الصحابة الّذي نوه به الكتاب وأشادت به السنه اهتم العلماء من قديم بضبط أسمائهم وتاريخهم، وقد ألف في الصحابة:
١- الإمام أبو الحسن على بن عبد الله شيخ البخاري المولود سنة ١٦١، المتوفى سنة ٢٣٤.
٢- الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، صاحب الصحيح المولود سنة ١٩٤ المتوفى سنة ٢٥٦.
1 / 4
٣- محمد بن سعد بن منيع الزهري، صاحب الطبقات، المولود سنة ١٦٨ المتوفى سنة ٢٣٠.
٤- خليفة بن خياط المحدث النسابة، المتوفى سنة ٢٤٠.
٥- يعقوب بن سفيان الفسوي، المتوفى سنة ٢٧٧.
٦- أبو بكر بن أبى خيثمة، المتوفى سنة ٢٧٩.
٧- الإمام محمد بن عبد الله بن عيسى المروزي، المولود سنة ٢٢٠ والمتوفى سنة ٢٩٣، ٨- مطين الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرميّ، المولود سنة ٢٠٢، والمتوفى سنة ٢٩٧.
٩- عبدان الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن موسى بن زياد الأهوازي، المتوفى سنة ٣٠٦.
١٠- الحافظ أبو بكر عبد الله بن أبى داود، المتوفى سنة ٣١٦.
١١- الحافظ البغوي عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، المتوفى سنة ٣٣٠.
١٢- الحافظ بن قانع عبد الباقي بن قانع بن مرزوق بن واثق، المولود سنة ٢٦٥، والمتوفى سنة ٣٥١ بدمشق.
١٣- الحافظ بن السكن أبو على سعيد بن عثمان بن سعيد بن السكن، المتوفى سنة ٣٥٣.
١٤- الحافظ أبو حاتم محمد بن حبان البستي، المتوفى سنة ٣٥٤.
١٥- الحافظ الطبراني سليمان بن أحمد، المتوفى سنة ٣٦٠.
١٦- الحافظ أبو حفص عمر بن أحمد المعروف بابن شاهين، المتوفى سنة ٣٨٥، بقي أربعة أئمة أعلام يلزمنا أن نقف عندهم وقفة قصيرة وهؤلاء هم:
١- محمد بن يحيى بن إبراهيم (مندة) بن الوليد بن سندة بن بطة بن استندار واسمه (فيرازان) بن جهار يخت العبديّ مولاهم الأصبهاني أبو عبد الله جد الحافظ أبى عبد الله محمد بن إسحاق. روى عن لوين وأبى كريب وخلق وحدث عنه الطبراني وغيره، وكان من الثقات وتوفى سنة ٣٠١.
٢- أبو نعيم: أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، حافظ من الثقات في الحفظ والرواية. ولد ومات في أصبهان من تصانيفه: حلية الأولياء، ومعرفة الصحابة ودلائل النبوة، وتاريخ أصبهان، ولد سنة ٣٣٦، ومات سنة ٤٣٠ هـ.
1 / 5
٤- أبو عمر يوسف بْن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بْن عَبْد البر النمري القرطبي المالكي، حافظ المغرب، ولد بقرطبة سنة ٣٦٨، ورحل رحلات طويلة، وولى قضاء لشبونه وشنترين، وتوفى سنة ٤٦٣ بشاطبه، وله كتاب الاستيعاب في أسماء الأصحاب، لكنه لم يستوعب، وجمع فيه من ذكر باسمه أو كنيته، أو حصل له فيه وهم وعدد من ذكر فيه ٤٢٢٥ على ترقيم طبعة مكتبة نهضة مصر، وقد ذيل عليه أبو بكر بن فتحون ذيلا حافلا بكثير من أسماء الصحابة الذين فاته أن يذكرهم، وذيل آخرون ذيولا أخرى لطيفه.
٤- أبو موسى محمد بن عمر بن أحمد الأصبهاني المديني، من حفاظ الحديث، مولده ووفاته بأصبهان، وإليها ينتسب كما في وفيات الأعيان. رحل إلى بغداد وهمذان، ولد سنة ٥٠١ ومات سنة ٥٨١، وقد ألف ذيلا كبيرا على كتاب ابن مندة مشتملا على أسماء الكثيرين من الصحابة.
ابن الأثير وكتابه أسد الغابة
بعد هؤلاء طلع علينا ابن الأثير بكتابه المعروف باسم «أسد الغابة» فاعتمد في تأليفه على كتب الذين سبقوه ولا سيما مؤلفات الأربعة الذين تحدثنا عنهم آنفا، فقد اعتمد عليها لكنه أضاف أسماء كثير من الصحابة إليها.
يقول الحافظ بن حجر: «في أوائل القرن السابع جمع عز الدين بن الأثير كتابا حافلا سماه أسد الغابة جمع فيه كثيرا من التصانيف المتقدمة» .
وفي كتاب أسد الغابة تراجم ل ٧٥٥٤ صحابى.
ميزات أسد الغابة
لكتاب أسد الغابة ميزات أهمها:
١- أنه رتب تراجم الصحابة ترتيبا دقيقا حسب حروف الهجاء التي يبتدئ بها كل اسم مثبتا مراجعة التي نبه عليها بالرمز ومراجع أخرى كثيرة في مختلف العلوم ذكرها بالاسم وصنيعه هذا يشهد بأن العرب كانوا أسبق من الأوربيين في تنسيق الحقائق العلمية وتبويبها وترتيبها وإثبات مصادرها فأبطل قول من يزعم أن المستشرقين والكتاب الأوربيين هم أصحاب الفضل في ذلك. ولا شك أنه بهذا يسر على القارئ سبيل الانتفاع بكتابه.
1 / 6
٢- ضبط بالحروف الأسماء المتشابهة التي تتفق رسما وتختلف نطقا.
٣- شرح الكلمات الغريبة التي وردت في ثنايا التراجم فوفر على القارئ مئونة البحث عن الألفاظ الصعبة.
٤- صوب بعض الأخطاء التي رأى أن من سبقه وقع فيها.
نعم ... لقد بذل ابن الأثير جهده في تحرير كتابه وتنسيقه، وإذا كانت هناك بعض مؤاخذات هينة أخذت عليه، فذلك يتمشى مع طبيعة البشر، فالكمال للَّه وحده وصدق الله العظيم إذ يقول: «وَلَوْ كانَ من عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ٤: ٨٢» .
ويرحم الله ابن الأثير، فقد قال في خطبة كتابه معتذرا عن ذلك «وما يشاهده الناظر في كتابي هذا من خطأ ووهم فليعلم أنى لم أقله من نفسي، وطنما نقلته من كلام العلماء وأهل الحفظ والإتقان، ويكون الخطأ يسيرا إلى ما فيه من الفوائد والصواب، ومن الله سبحانه أستمد الصواب في القول والعمل. فرحم الله امرأ أصلح فاسده، ودعا لي بالمغفرة والعفو عن السيئات وأن يحسن منقلبنا إلى دار السلام عند مجاورة الأموات والسلام» .
ترجمة ابن الأثير
في بيئة دينية عريقة في التدين، وبين أسرة علمية أصيلة في العلم، نشأ عز الدين أبو الحسن على بن أبى الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير الجزري، والجزري نسبة إلى جزيرة ابن عمر وهي- كما في المراصد ١/ ٣٣٣- بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام، لها رستاق مخصب يحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال، فعمل له خندق أجرى فيه الماء فأحاط الماء بها وسميت بذلك نسبة إلى يوسف بن عمر الثقفي أمير العراقين أو عبد العزيز بن عمر من أهل برقعيد أو أوس وكامل ابني عمر كما في وفيات الأعيان ٣/ ٣٥. كان والده ثريا يمتلك عدة بساتين بقرية العقيمة- إحدى قرى جزيرة ابن عمر- وكان يملك قرية يقال لها (قصر حرب) بجنوب الموصل، وكان يشتغل بالتجارة إلى جانب وظائفه الحكومية في جزيرة ابن عمر التابعة للموصل. فقد كان رئيس ديوانها ونائب وزير الموصل فيها.
له أخوان أحدهما أكبر منه وهو (مجد الدين أبو السعادات) المبارك، ولد سنة ٥٤٤ وتوفى سنة ٦٠٦. وهو أحد العلماء الأفذاذ له كتاب (جامع الأصول في أحاديث الرسول)، وكتاب (النهاية في غريب الحديث والأثر) . والآخر أصغر منه، هو (ضياء الدين أبو الفتح) نصر الله، ولد سنة ٥٥٨ وتوفى سنة ٦٣٧. كان من ذوى
1 / 7
النبوغ في العلوم الادبية، وله كتب قيمة منها (المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر) و(الوشي المرقوم في حلى المنظوم) .
أما صاحبنا عز الدين، فقد كان واسطة العقد، ولد في الجزيرة سنة ٥٥٥، هـ ومات بالموصل سنة ٦٣٠ هـ. وكان له باع في التاريخ، ألف في التاريخ العام كتاب (الكامل) وهو مرجع مهم في تاريخ الحملات الصليبية التي شاهد بعضا منها إلى وفاته، وفي كتابه (الكامل) تحدث أيضا عن هجوم التتار وكأنه كان على موعد مع الحملات التي شنت على بلاد الإسلام من الشرق ومن الغرب.
وألف في التاريخ الخاص كتاب (أسد الغابة في معرفة الصحابة) . وكتابه هذا يعلن عن سعة اطلاعه، ومعرفته بالأخبار، وغرامة بالبحث ودقته في النقد، وأصالته في التأليف.
٤ من ربيع الآخر ١٣٩٠ ٩ من يونيو ١٩٧٠ (المحققون)
1 / 8
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة ابن الأثير
قال الشيخ الإمام العالم، الحافظ البارع الأوحد، بقية السلف عز الدين أبو الحسن على بن محمد ابن عبد الكريم الجزري، المعروف بابن الأثير رضى الله عنه:
الحمد للَّه الّذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد للَّه المنزه عن أن يكون له نظراء وأشباه، المقدس فلا تقرب الحوادث حماه، الّذي اختار الإسلام دينا، وارتضاه، فأرسل به محمدا ﷺ، واصطفاه، وجعل له أصحابا فاختار كلا منهم لصحبته واجتباه، وجعلهم كالنجوم بأيهم اقتدى الإنسان اهتدى إلى الحق واقتفاه، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه صلاة توجب لهم رضاه، أحمده على نعمه كلها حمدا يقتضي الزيادة من نعمه، ويجزل لنا النصيب من قسمه.
أما بعد فلا علم أشرف من علم الشريعة فإنه يحصل به شرف الدنيا والآخرة، فمن تحلى به فقد فاز بالصفقة الرابحة، والمنزلة الرفيعة الفاخرة، ومن عرى منه فقد حظي بالكرة الخاسرة.
والأصل في هذا العلم كتاب الله، ﷿، وسنة رسوله ﷺ، فأما الكتاب العزيز فهو متواتر مجمع عليه غير محتاج إلى ذكر أحوال ناقليه، وأما سنة رسول الله ﷺ فهي التي تحتاج إلى شرح أحوال رواتها وأخبارهم.
وأول رواتها أصحاب رسول الله ﷺ ولم يضبطوا ولا حفظوا في عصرهم كما فعل بمن بعدهم من علماء التابعين وغيرهم إلى زماننا هذا لأنهم كانوا مقبلين على نصرة الدين وجهاد الكافرين إذ كان المهم الأعظم فان الإسلام كان ضعيفا وأهله قليلون، فكان أحدهم يشغله جهاده ومجاهدة نفسه في عبادته عن النظر في معيشته والتفرغ لمهم، ولم يكن فيهم أيضا من يعرف الخط إلا النفر اليسير، ولو حفظوا ذلك الزمان لكانوا أضعاف من ذكره العلماء، ولهذا اختلف العلماء في كثير منهم فمنهم من جعله بعض العلماء من الصحابة، ومنهم من لم يجعله فيهم، ومعرفتهم ومعرفة أمورهم وأحوالهم وأنسابهم وسيرتهم مهم في الدين.
ولا خفاء على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد أن من تبوأ الدار والإيمان من المهاجرين والأنصار والسابقين إلى الإسلام والتابعين لهم بإحسان الذين شهدوا الرسول ﷺ وسمعوا كلامه وشاهدوا أحواله ونقلوا ذلك إلى من بعدهم من الرجال والنساء من الأحرار والعبيد والإماء أولى بالضبط والحفظ، وهم الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لهم الأمن وهم مهتدون بتزكية الله، ﷾ لهم وثنائه عليهم، ولأن السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ومعرفة الحلال والحرام إلى غير ذلك
1 / 9
من أمور الدين، إنما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها، وأولهم والمقدم عليهم أصحاب رسول الله ﷺ فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلا، وأعظم إنكارا، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم هم وغيرهم من الرواة، حتى يصح العمل بما رواه الثقات منهم، وتقوم به الحجة، فان المجهول لا تصح روايته، ولا ينبغي العمل بما رواه، والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلا في الجرح والتعديل، فإنهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح لأن الله ﷿ ورسوله زكياهم وعدلاهم، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره، ويجيء كثير منه في كتابنا هذا، فلا نطول به هنا.
وقد جمع الناس في أسمائهم كتبا كثيرة، ومنهم من ذكر كثيرا من أسمائهم في كتب الأنساب والمغازي وغير ذلك، واختلفت مقاصدهم فيها، إلا أن الّذي انتهى إليه جمع أسمائهم الحافظان أبو عبد الله ابن مندة [١] وأبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهانيان [٢]، والإمام أبو عمر بن عبد البر [٣] القرطبي رضى الله عنهم، وأجزل ثوابهم، وحمد سعيهم، وعظم أجرهم وأكرم مآبهم، فلقد أحسنوا فيما جمعوا، وبذلوا جهدهم وأبقوا بعدهم ذكرا جميلا فاللَّه تعالى يثيبهم أجرا جزيلا فإنهم جمعوا ما تفرق منه.
فلما نظرت فيها رأيت كلا منهم قد سلك في جمعه طريقا غير طريق الآخر، وقد ذكر بعضهم أسماء لم يذكرها صاحبه، وقد أتى بعدهم الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بْنِ أَبِي عِيسَى الأصفهاني [٤]، فاستدرك على ابن مندة ما فاته في كتابه، فجاء تصنيفه كبيرا نحو ثلثي كتاب ابن مندة.
فرأيت أن أجمع بين هذه الكتب، وأضيف إليها ما شذ عنها مما استدركه أبو علي الغساني [٥]، على أبي عمر بن عبد البر، كذلك أيضا ما استدركه عليه آخرون وغير من ذكرنا فلا نطول بتعداد أسمائهم هنا، ورأيت ابن مندة وأبا نعيم وأبا موسى عندهم أسماء ليست عند ابن عبد البر، وعند ابن عبد البر أسماء ليست عندهم. فعزمت أن أجمع بين كتبهم الأربعة، وكانت العوائق تمنع والأعذار تصد عنه، وكنت حينئذ ببلدى وفي وطني، وعندي كتبي وما أراجعه من أصول سماعاتي، وما أنقل منه، فلم يتيسر ذلك لصداع الدنيا وشواغلها.
_________
[١] هو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن مندة، كان أحد الحفاظ الثقات. توفى سنة ٣٠١، ينظر الوفيات: ٣- ٤١٦ والعبر، ٢- ١٢٠.
[٢] قال عنه الذهبي في العبر ٣- ١٧٠: «تفرد في الدنيا بعلو الإسناد مع الحفظ والاستبحار من الحديث وفنونه ... وصنف التصانيف الكبار» توفى سنة ٤٣٠ هـ وينظر الوفيات: ١- ٧٥.
[٣] هو أبو عمر يوسف بْن عَبْد اللَّه بن مُحَمَّد بْن عَبْد البر، صاحب كتاب الاستيعاب في معرفة الأصحاب، له تصانيف أخرى، قال الذهبي: «ليس لأهل المغرب أحفظ منه» توفى سنة ٤٦٣.
[٤] هو أبو موسى المديني محمد بن أبى بكر عمر بن أحمد الحافظ، يقول الذهبي في العبر ٤- ٢٤٦: «كان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقى» توفى في جمادى الأولى سنة ٥٨١.
[٥] هو الحسين بن محمد الجيانى الأندلسى الحافظ، كان أحد أعلام الحديث بقرطبة، روى عن ابن عبد البر وطبقته، توفى سنة ٤٩٨. وقد ذكر السهيليّ في الروض الأنف ٢- ١٩٨ أن أبا على قد ألحق استدراكاته بالاستيعاب، وأن أبا عمر أوصى أبا على بقوله: «امانة الله في عنقك متى عثرت على اسم من أسماء الصحابة» إلا ألحقته في كتابي الّذي في الصحابة» .
1 / 10
فاتفق أنى سافرت إلى البلاد الشامية عازما على زيارة البيت المقدس، جعله الله ﷾ دارا للإسلام أبدا فلما دخلتها اجتمع بى جماعة من أعيان المحدثين، وممن يعتنى بالحفظ والإتقان فكان فيما قالوه: إننا نرى كثيرا من العلماء الذين جمعوا أسماء الصحابة يختلفون في النسب والصحبة والمشاهد التي شهدها الصاحب، إلى غير ذلك من أحوال الشخص ولا نعرف الحق فيه، وحثوا عزمي على جمع كتاب لهم في أسماء الصحابة، رضى الله عنهم أستقصى فيه ما وصل إلى من أسمائهم، وأبين فيه الحق فيما اختلفوا فيه، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم مع الإتيان بما ذكروه واستدراك ما فاتهم، فاعتذرت إليهم بتعذر وصولي إلى كتبي وأصولى وأننى بعيد الدار عنها، ولا أرى النقل إلا منها فألحوا في الطلب فثار العزم الأول وتجدد عندي ما كنت أحدث به نفسي، وشرعت في جمعه والمبادرة إليه، وسألت الله تعالى أن يوفقني إلى الصواب في القول والعمل، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم بمنه وكرمه واتفق أن جماعة كانوا قد سمعوا على أشياء بالموصل وساروا إلى الشام فنقلت منها أحاديث مسندة وغير ذلك، ثم إنني عدت إلى الوطن بعد الفراغ منه وأردت أن أكثر الأسانيد وأخرج الأحاديث التي فيه بأسانيدها، فرأيت ذلك متعبا يحتاج أن أنقض كل ما جمعت، فحملني الكسل وحب الدعة والميل إلى الراحة إلى أن نقلت ما تدعو الضرورة إليه، مما لا يخل بترتيب، ولا يكثر إلى حد الإضجار والإملال، وأنا أذكر كيفية وضع هذا الكتاب، ليعلم من يراه شرطنا وكيفيته، والله المستعان فأقول:
إني جمعت بين هذه الكتب كما ذكرته قبل، وعلمت على الاسم علامة ابن مندة صورة (د) وعلامة أبى نعيم صورة (ع)، وعلامة ابن عبد البر صورة (ب) وعلامة أبى موسى صورة (س) فان كان الاسم عند الجميع علمت عليه جميع العلائم، وإن كان عند بعضهم علمت عليه علامته، وأذكر في آخر كل ترجمة اسم من أخرجه وإن قلت أخرجه الثلاثة فأعنى ابن مندة وأبا نعيم وأبا عمر بن عبد البر فان العلائم ربما تسقط من الكتابة وتنسى، ولا أعنى بقولي أخرجه فلان وفلان أو الثلاثة أنهم أخرجوا جميع ما قلته في ترجمته فلو نقلت كل ما قالوه لجاء الكتاب طويلا لأن كلامهم يتداخل ويخالف بعضهم البعض في الشيء بعد الشيء، وإنما أعنى أنهم أخرجوا الاسم.
ثم إني لا أقتصر على ما قالوه إنما أذكر ما قاله غيرهم من أهل العلم، وإذا ذكرت اسما ليس عليه علامة أحدهم فهو ليس في كتبهم. ورأيت ابن مندة وأبا نعيم قد أكثرا من الأحاديث والكلام عليها، وذكرا عللها، ولم يكثرا من ذكر نسب الشخص، ولا ذكر شيء من أخباره وأحواله، وما يعرف به، ورأيت أبا عمر قد استقصى ذكر الأنساب وأحوال الشخص ومناقبه، وكل ما يعرفه به حتى إنه يقول: هو ابن أخى فلان وابن عم فلان وصاحب الحادثة الفلانية، وكان هذا هو المطلوب من التعريف اما ذكر الأحاديث وعللها وطرقها فهو بكتب الحديث أشبه إلا أنى نقلت من كلام كل واحد منهم أجوده وما تدعو الحاجة إليه طلبا للاختصار، ولم أخل بترجمة واحدة من كتبهم جميعها بل أذكر الجميع، حتى إنني أخرج الغلط كما ذكره المخرج له، وأبين الحق والصواب فيه إن علمته إلا أن يكون أحدهم قد أعاد الترجمة بعينها، فأتركها وأذكر ترجمة واحدة، وأقول: قد أخرجها فلان في موضعين من كتابه.
1 / 11
وأما ترتيبه ووضعه فاننى جعلته على حروف أ، ب، ت، ث، ولزمت في الاسم الحرف الأول والثاني والثالث وكذلك إلى آخر الاسم، وكذلك أيضا في اسم الأب والجد ومن بعدهما والقبائل أيضا.
مثاله: أننى أقدم «أبانا» على إبراهيم لأن ما بعد الباء في أبان ألف، وما بعدها في إبراهيم راء، وأقدم إبراهيم بن الحارث، على إبراهيم بن خلاد، لأن الحارث بحاء مهملة وخلاد بخاء معجمة، وأقدم أبانا العبديّ على أبان المحاربي، وكذلك أيضا فعلت في التعبيد [١] فانى ألزم الحرف الأول بعد عبد، وكذلك في الكنى فانى ألزم الترتيب في الاسم الّذي بعد «أبو» فانى أقدم أبا داود على أبى رافع، وكذلك في الولاء، فانى أقدم أسود مولى زيد على أسود مولى عمرو، وإذا ذكر الصحابي ولم ينسب إلى أب بل نسب إلى قبيلة فاننى أجعل القبيلة بمنزلة الأب مثاله: زيد الأنصاري أقدمه على زيد القرشي، ولزمت الحروف في جميع أسماء القبائل.
وقد ذكروا جماعة بأسمائهم، ولم ينسبوهم إلى شيء، فجعلت كل واحد منهم في آخر ترجمة الاسم الّذي سمى به مثاله: زيد، غير منسوب، جعلته في آخر من اسمه زيد، وأقدم ما قلت حروفه على ما كثرت مثاله: أقدم «الحارث» على «حارثة» .
وقد ذكر ابن مندة، وأبو نعيم، وأبو موسى في آخر الرجال والنساء جماعة من الصحابة والصحابيات لم تعرف أسماؤهم فنسبوهم إلى آبائهم فقالوا ابن فلان، وإلى قبائلهم وإلى أبنائهم، وقالوا: فلان عن عمه، وفلان عن جده وعن خاله، وروى فلان عن رجل من الصحابة فرتبتهم أولا بأن ابتدأت بابن فلان، ثم بمن روى عن أبيه لأن ما بعد الباء في ابن نون، وما بعدها في أبيه ياء، ثم بمن روى عن جده، ثم عن خاله، ثم عن عمه لأن الجيم قبل الخاء، وهما قبل العين، ثم بمن نسب إلى قبيلة، ثم بمن روى عن رجل من الصحابة ثم رتبت هؤلاء أيضا ترتيبا ثانيا فجعلت من روى عن ابن فلان مرتبين على الآباء، مثاله: ابن الأدرع أقدمه على ابن الأسفع، وأقدمهما على ابن ثعلبة، وأرتب من روى عن أبيه على أسماء الآباء، مثاله: إبراهيم عن أبيه أجعله قبل الأسود عن أبيه، وجعلت من روى عن جده على أسماء الأحفاد، مثاله: أقدم جد الصلت على جد طلحة وجعلت من روى عن خاله على أسماء أولاد الأخوات، مثاله: أقدم خال البراء على خال الحارث، ومن روى عن عمه جعلتهم على أسماء أولاد الإخوة، مثاله: عم أنس مقدم على عم جبر، ومن نسب إلى قبيلته ولم يعرف اسمه جعلتهم مرتبين على أسماء القبائل فاننى أقدم الأزدي على الخثعميّ.
وقد ذكروا أيضا جماعة لم يعرفوا إلا بصحبة رسول الله ﷺ فرتبتهم على أسماء الراوين عنهم، مثاله: أنس بن مالك عن رجل من الصحابة أقدمه على ثابت بن السمط عن رجل من الصحابة، وإن عرفت في هذا جميعه اسم الصحابي ذكرت اسمه ليعرف ويطلب من موضعه.
_________
[١] يعنى فيما بدئ بعبد من الأسماء، أخرج الطبراني عن أبى زهير الثقفي قال: قال رسول الله ﷺ، (إذا سميتم فعبدوا) ورواه البيهقي من حديث عائشة.
1 / 12
ورأيت جماعة من المحدثين إذا وضعوا كتابا على الحروف يجعلون الاسم الّذي أوله «لا»، مثل:
لاحق ولا شر في باب مفرد عن حرف اللام، وجعلوه قبل الياء، فجعلتها أنا من حرف اللام في باب اللام مع الألف فهو أصح وأجود، وكذلك أفعل في النساء سواء.
وإذا كان أحد من الصحابة مشهورا بالنسبة إلى غير أبيه ذكرته بذلك النسب: كشر حبيل بن حسنة، أذكره فيمن أول اسم أبيه حاء، ثم أبين اسم أبيه، ومثل شريك بن السحماء، وهي أمه، أذكره أيضا فيمن أول اسم أبيه سين، ثم أذكر اسم أبيه، أفعل هذا قصدا للتقريب وتسهيل طلب الاسم.
وأذكر الأسماء على صورها التي ينطق بها لا على أصولها، مثل: أحمر، أذكره في الهمزة ولا أذكره في الحاء، ومثل أسود في الهمزة أيضا، ومثل عمار أذكره في «عما» ولا أذكره في «عمم» لأن الحرف المشدد حرفان الأول منهما ساكن فعلته طلبا للتسهيل.
وأقدم الاسم في النسب على الكنية، إذا اتفقا، مثاله: أقدم عبد الله بن ربيعة على: عبد الله بن أبى ربيعة، وأذكر الأسماء المشتبهة في الخط وأضبطها بالكلام لئلا تلتبس فان كثيرا من الناس يغلطون فيها، وإن كانت النعتية التي ضبطها تعرف الاسم وتبينه، ولكنى أزيده تسهيلا ووضوحا، مثال ذلك: سلمة في الأنصار، بكسر اللام، والنسبة إليه سلمى، بالفتح في اللام والسين، وأما سليم فهو ابن منصور من قيس عيلان.
وأشرح الألفاظ الغريبة التي ترد في حديث بعض المذكورين في آخر ترجمته.
وأذكر في الكتاب فصلا يتضمن ذكر الحوادث المشهورة للنّبيّ ﷺ وأصحابه، كالهجرة إلى الحبشة، وإلى المدينة، وبيعة العقبة، وكل حادثة قتل فيها أحد من الصحابة فان الحاجة تدعو إلى ذلك لأنه يقال: أسلم فلان قبل دخول رَسُول اللَّهِ ﷺ دار الأرقم، أو وهو فيها، وهاجر فلان إلى الحبشة، وإلى المدينة، وشهد بدرا، وشهد بيعة العقبة، وبيعة الرضوان وقتل فلان في غزوة كذا أذكر ذلك مختصرا فليس كل الناس يعرفون ذلك ففيه زيادة كشف.
وأذكر أيضا فصلا أضمنه أسانيد الكتب التي كثر تخريجى منها لئلا أكرر الأسانيد في الأحاديث طلبا للاختصار.
وقد ذكر بعض مصنفي معارف الصحابة جماعة ممن كَانَ فِي زمن النَّبِيّ ﷺ ولم يره، ولم يصحبه ساعة من نهار، كالأحنف بن قيس وغيره، ولا شبهة في أن الأحنف كان رجلا في حياة رَسُول اللَّهِ ﷺ ولم يره ودليل أنه كان رجلا في حياة رَسُول اللَّهِ ﷺ قدومه عَلَى عمر بْن الخطاب ﵁ في وفد أهل البصرة، وهو رجل من أعيانهم، والقصة مشهورة إلا إنه لم يفد إلى النَّبِيّ ﷺ ولم يصحبه، فلا أعلم لم ذكروه وغيره ممن هذه حاله؟ فان
1 / 13
كانوا ذكروهم لأنهم كانوا موجودين على عهد رسول الله ﷺ مسلمين فكان ينبغي أن يذكروا كل من أسلم في حياته ووصل إليهم اسمه، لأنّ الوفود في سنة تسع وسنة عشر قدموا عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ من سائر العرب بإسلام قومهم فكان ينبغي أن يذكروا الجميع قياسا على من ذكروه.
وأذكر فيه في فصل جميع ما في هذا الكتاب من الأنساب، وجعلتها على حروف المعجم، ولم أذكر من الأنساب إلا ما في هذا الكتاب لئلا يطول ذلك، وإنما فعلت ذلك لأن بعض من وقف عليه من أهل العلم والمعرفة أشار به ففعلته، وليكون هذا الكتاب أيضا جامعا لما يحتاج إليه الناظر فيه غير مفتقر إلى غيره. وما يشاهده الناظر في كتابي هذا من خطأ ووهم فليعلم أنى لم أقله من نفسي، وإنما نقلته من كلام العلماء وأهل الحفظ والإتقان، ويكون الخطأ يسيرا إلى ما فيه من الفوائد والصواب، ومن الله سبحانه أستمد الصواب في القول والعمل، فرحم الله امرأ أصلح فاسده، ودعا لي بالمغفرة والعفو عن السيئات، وأن يحسن منقلبنا إلى دار السلام عند مجاورة الأموات والسلام.
فصل
يذكر فيه أسانيد الكتب الكبار التي خرجت منها الأحاديث وغيرها، وقد تكرر ذكرها في الكتاب لئلا يطول الإسناد ولا أذكر في أثناء الكتاب إلا اسم المصنف وما بعده، فليعلم ذلك:
تفسير القرآن المجيد لأبى إسحاق الثعلبي [١]:
أخبرنا به أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي على بن مهدي الزرزارى الشيخ الصالح رحمه الله تعالى قال:
أخبرنا الرئيس مسعود بن الحسن القاسم الأصبهاني، وأبو عبد الله الحسن بن العباس الرستمي قالا:
أخبرنا أحمد بن خلف الشيرازي، قال: أنبأنا أَبُو إِسْحَاقَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّعْلَبِيِّ بجميع كتاب «الكشف والبيان في تفسير القرآن»، سمعت عليه من أول الكتاب إلى آخر سورة النساء، وأما من أول سورة المائدة إلى آخر الكتاب، فإنه حصل لي بعضه سماعا وبعضه إجازة، واختلط السماع بالإجازة فأنا أقول فيه: أخبرنا به إجازة إن لم يكن سماعا.
فإذا قلت: أخبرنا أحمد باسناده إلى الثعلبي، فهو بهذا الإسناد.
الوسيط في التفسير أيضا للواحدي [٢]:
أخبرنا بجميع كتاب «الوسيط في تفسير القرآن المجيد» أبو محمد عبد الله محمد بن على بن سويدة التكريتي قال: أنبأنا أبو عبد الله محمد بن الحسين بن الفرخان السمناني، وعبد الرحمن بن أبى الخير بن
_________
[١] هو أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابورىّ المفسر، كان حافظا واعظا، رأسا في التفسير والعربية، توفى في المحرم سنة ٤٢٧.
ينظر العبر: ٣- ١٦١.
[٢] الواحدي هو أبو الحسن على بن أحمد النيسابورىّ، تلميذ أبى إسحاق الثعلبي، وأحد من برع في العلم، وكان كما يقول الذهبي رأسا في اللغة العربية، توفى في المحرم سنة ٤٦٨، ينظر العبر: ٣- ٢٦٧.
1 / 14
سعيد الميهنى، كلاهما إجازة قالا: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَتُّوَيْهِ الْوَاحِدِيِّ (ح) قال أبو محمد:
وأخبرنا أبو الفضل أحمد بن أبى الخير بن سعيد قراءة عليه وأنا أسمع قال: أنبأنا الواحدي.
فإذا قلت: أخبرنا أبو محمد بن سويدة قال: أخبرنا الواحدي فهو بهذا الإسناد.
صحيح محمد بن إسماعيل البخاري [١]
أخبرنا بجميع «الجامع الصحيح» تأليف الإمام أبى عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، رضى الله عنه أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سرايا بن علي، وَأَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْعِزِّ الْوَاسِطِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مِسْمَارُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْعُوَيْسِ النِّيَارُ الْبَغْدَادِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي صَالِحِ بن فنا خسرو الديلميّ التكريتي الضرير، قالوا: أخبرنا أبو الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب السجزى، قال:
قال: أخبرنا أَبُو الْحَسَن عَبْد الرَّحْمَن بْن مُحَمَّد الداوديّ، أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد الحموي السرخسي، قال: أخبرنا محمد بن يوسف الفربري، أخبرنا محمد بن إسماعيل.
فإذا قلت: أخبرنا أحد هؤلاء أو كلهم باسنادهم عن البخاري، وذكرت إسناده إلى النبي ﷺ فهو بهذا الإسناد.
صحيح مسلم بن الحجاج [٢]
أخبرنا بجميع «الصحيح» تأليف أبى الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورىّ، رضى الله عنه، أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ بْنِ سَعْدٍ الأصفهاني الثقفي قراءة عليه، وأنا أسمع، قال: أَخْبَرَنَا عَمُّ جَدِّي أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الواحد بن محمد الثقفي قراءة عليه وأنا أسمع، وأبو عبد الله محمد بن الفضل الفراوي إجازة، قال جعفر: أجاز لنا، وقال الفراوي: أخبرنا سماعا أبو الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي أخبرنا أبو أحمد محمد بن عيسى ابن عمرويه الجلودي، أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه، أخبرنا أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابورىّ.
فإذا قلت: أخبرنا يحيى وأبو [٣] ياسر بإسنادهما عن مسلم، فهو بهذا الإسناد.
الموطأ لمالك بن أنس [٤] رواية يحيى بن يحيى [٥]
أخبرنا به الشيخ أبو الحرم مكي بن زيان ابن شبه المقري النحويّ الماكسيني ﵀، أخبرنا أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي، أخبرنا الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن عتاب، أخبرنا
_________
[١] هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن بزدزبة البخاري، ولد سنة ١٩٤، قال الذهبي: ارتحل سنة عشر ومائتين، وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء، توفى رحمة الله سنة ٢٥٦، ينظر العبر: ٢- ١٢.
[٢] هو أبو الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابورىّ الحافظ، أحد أركان الحديث وصاحب الصحيح وغيره، توفى سنة ٢٦١ عن ٦٠ سنة، ينظر العبر: ٢- ٢٣.
[٣] هو عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حية البغدادي، توفى سنة ٥٨٨، العبر للذهبى: ٤- ٢٦٦.
[٤] هو إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس، ولد سنة ٩٤ وسمع من نافع والزهري وطبقتهما، توفى ﵀ سنة ٢٧٩، العبر: ١- ٢٧٢.
[٥] هو شيخ الأندلس يحيى بن يحيى بن كثير الفقيه، أبو محمد الليثي، روى الموطأ عن مالك، وانتهت إليه رياسة الفتوى بيلده، وبه انتشر مذهب مالك بناحيته. توفى سنة ٢٣٤، ينظر العبر: ١- ٤١٩.
1 / 15
القاضي أبو الوليد يونس بن عبد الله بن مغيث، أخبرنا أبو عيسى يحيى بن عبيد الله، أخبرنا عم أبى عبيد الله بن يحيى، أخبرنا أبو يحيى بن يحيى، أخبرنا الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه.
فإذا قلت: أخبرنا أبو الحرم بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ، فهو بهذا الإسناد.
الموطأ لمالك أيضا رواية القعنبي [١]
أخبرنا به أَبُو الْمِكَارِمِ فتيانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بن سمينة الجوهري، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ الحسين بْن مُحَمَّدِ بن نصر بن خميس الفقيه، أخبرنا أبو الحسن أحمد بْنِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ يُوسُفَ، أَنْبَأَنَا أَبُو عمرو عثمان ابن محمد بن يوسف العلاف، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن إبراهيم الشافعيّ، أخبرنا أبو يعقوب إسحاق بن الحسن بن ميمون بن سعد الحربي، أخبرنا القعنبي عن مالك رضى الله عنه.
مُسْنَدِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ [٢]
أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو ياسر عبد الوهاب بْن هبة الله بن أبي حبة قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بن عبد عبد الواحد بن الحصين، أخبرنا أبو على الحسن بن على بن المذهب الواعظ، أخبرنا أبو بكر بن مالك الْقَطِيعِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حنبل، حدثني أبى رضى الله عنه.
فكل ما فيه أخبرنا أبو ياسر أو عبد الوهاب بإسناده، عن عبد الله: حدثني أبى، فهو بهذا الإسناد.
مسند أبى داود الطيالسي [٣]
أخبرنا به الْخَطِيبُ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بن عبد القاهر الطوسي، أخبرنا أبو سعد محمد بن ابن محمد المطرز الفقيه إذنا، أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن إسحاق الأصفهاني، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجَمَّالُ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جعفر بن فارس، أخبرنا يونس بن حبيب، أخبرنا أبو داود الطيالسي رضى الله عنه.
فإذا قلت: قال أبو داود الطيالسي، فهو بهذا الإسناد.
الجامع الكبير للترمذي [٤]
أخبرنا به أجمع أبو الفداء إسماعيل بن على بن عبيد الواعظ الموصلي وَأَبُو جَعْفَرٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ علي بن السمين، وأخبرنا به ما عدا أبواب الطهارة الفقيه أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مِهْرَانَ الشافعيّ، قَالُوا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أبى القاسم بن أبى سهل الكروخي، قال: أخبرنا القاضي أبو عامر محمود بن القاسم بن محمد بن محمد الأزدي، وأبو نصر عبد العزيز بن محمد بن على الترياقي، وأبو بكر
_________
[١] هو الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسلمة بن قعنب الزاهد الثقة، توفى سنة ٢٢١، ينظر العبر: ١- ٢٨٣.
[٢] هو أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي، شيخ الإسلام، كان إماما في الحديث والفقه، ورعا زاهدا، توفى ﵀، سنة ٢٤١.
[٣] هو سليمان بن داود بن الطيالسي الحافظ صاحب المسند، قال الذهبي: «كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث»، توفى سنة ٢٠٤. العبر: ١- ٢٣٦.
[٤] هو أبو عِيسَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيِّ، الحافظ المشهور، كان أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، وهو تلميذ البخاري توفى سنة ٢٧٩ هـ. ينظر الوفيات: ٣- ٤٠٧، والعبر: ٢- ٦٢.
1 / 16
عبد الصمد بن أبى الفضل الفورجى، قالوا: أخبرنا أبو محمد بن أبى الجراح الجراحي المروري، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، أخبرنا أبو عِيسَى مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيِّ، رضى الله عنه،
سنن أبى داود السجستاني [١]
أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو أَحْمَدَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ على بن الأمين الصوفي الشيخ الصالح المعروف بابن سكينة رضى الله عنه، أَخْبَرَنَا أَبُو غَالِبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ، أخبرنا أبو على بن أحمد التستري، أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، أخبرنا أبو على محمد بن أحمد اللؤلؤي، أخبرنا أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني.
فإذا قلت: أخبرنا أبو أحمد بإسناده عن أبي داود، فهو بهذا الإسناد.
سنن أبى عبد الرحمن النسائي [٢]
أخبرنا به أبو القاسم يعيش بن صدقة بن علي الفقيه الشافعيّ الضرير، رضى الله عنه، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ محمويه اليزدي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن الحسن الدونى، أخبرنا أبو نصر أحمد بن الحسين الكسار، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد السبتي، أخبرنا أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، رضى الله عنه.
فإذا قلت: أخبرنا أبو القاسم أو يعيش باسناده إلى أبى عبد الرحمن، أو أحمد بن شعيب، فهو بهذا الإسناد.
مسند أبى يعلى الموصلي [٣]
أخبرنا بِهِ أَبُو الْفَضْلِ الْمَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ أبى عبد الله الطبري الفقيه المخزومي المعروف بالدينى، أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي، أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الكنجرودي، أخبرنا أبو عمرو بن حمدان، أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ المثنى الموصلي رضى الله عنه.
مغازي ابن إسحاق [٤]
أخبرنا به أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن على، أخبرنا أبو الفضل محمد بن ناصر بن على، قال:
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النقور إجازة (ح) قال أبو جعفر: وأخبرنا أبو الحسن على بن عساكر
_________
[١] هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي، صاحب السنن والتصانيف المشهورة، كان رأسا في الحديث والفقه ورعا، توفى سنة ٢٧٥. ينظر العبر: ٢- ٥٤.
[٢] هو الإمام أحمد بن شعيب بن على النسائي، أحد الأعلام وصاحب المصنفات، كان أفقه مشايخ مصر كما يقول الدارقطنيّ وأعلمهم بالحديث، توفى سنة ٣٠٣، ينظر العبر: ٢- ١٢٣.
[٣] هو أحمد بن على بن المثنى بن يحيى التميمي الحافظ، صاحب المسند، كان ثقة صالحا، توفى سنة ٣٠٧، العبر: ٢- ١٣٤
[٤] هو محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، صاحب السيرة، كان بحرا من بحور العلم، ذكيا حافظا طلابا للعلم إخباريا نسابة، توفى سنة ١٥١، العبر: ١- ٢١٦.
1 / 17
البطائحي، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن على المرزوقي، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ النَّقُّورِ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُخَلِّصُ، أَخْبَرَنَا أبو الحسين رضوان بن أحمد الصيدلاني، أخبرنا أبو عمر أحمد بن عبد الجبار العطاردي، حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق.
فإذا قلت في الكتاب بهذا الإسناد، فهو معروف.
الآحاد والمثاني لابن أبى عاصم [١]
أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْفَرَجِ يَحْيَى بْنُ مَحْمُودِ الثقفي إجازة أخبرنا عم جدي الرئيس أَبُو الْفَضْلِ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ محمد الثقفي قال: أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن الأصبهاني، أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن ابن أبى بكر بن محمد بن أبى على أحمد بن عبد الرحمن الذكوانيّ، أخبرنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن العتاب، أخبرنا القاضي أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عاصم المصنف.
فكل ما في هذا الكتاب عن ابن أبى عاصم فهو بهذا الإسناد، وإذا كان بغيره ذكرته.
طبقات محدثي الموصل
أخبرنا به أبو منصور بن مكارم بن أحمد بن سَعْدٍ الْمُؤَدِّبُ الْمَوْصِلِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْبَرَكَاتِ سَعْدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ وَالْخَطِيبُ أَبُو الْفَضَائِلِ الْحَسَنُ بْنُ هِبَةِ اللَّهِ، قَالا: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَرَجِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ مُحَمَّدِ إِدْرِيسَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو مَنْصُورٍ الْمُظَفَّرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَزِيدُ بْنُ محمد بن إياس بن القاسم الأزدي المصنف.
مسند المعافى بن عمران [٢]
أخبرنا به أبو منصور بن مكارم، أيضا أخبرنا به أبو القاسم ابن صَفْوَانَ، أَخْبَرَنَا الْخَطِيبُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ هِبَةُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَنَسٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ طَوْقٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو جَابِرٍ زَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ حبان، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ، أخبرنا المعافى بن عمران الأزدي، رضى الله عنه.
فهذه الكتب التي كثر النقل منها، وما عداها فاننى أذكر إسنادي إليها لأنها لا تتكرر كثيرا، والله ولى التوفيق.
فصل نذكر فيه من يطلق عليه اسم الصحبة
قال الإمام أبو بكر أحمد بن على الحافظ باسناده عن سعيد بن المسيب أنه قال: الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله ﷺ سنة أو سنتين وغزا معه غزوة أو غزوتين.
_________
[١] هو أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عاصم الشيباني، كان إماما فقيها ظاهريا، توفى سنة ٢٨٧.
[٢] هو الإمام أبو مسعود المعافى بن عمران الأزدي الفهميّ، قال الذهبي: «عالم أهل الموصل وزاهدهم»، توفى سنة ١٨٥ على الأصح. ينظر العبر: ١- ٢٩١.
[أسد الغابة- كتاب الشعب]
1 / 18
قال الواقدي: ورأينا أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله ﷺ وقد أدرك الحلم فأسلم، وعقل أمر الدين ورضيه، فهو عندنا ممن صحب رَسُول اللَّهِ ﷺ ولو ساعة من نهار، ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام.
وقال أحمد بن حنبل: أصحاب رسول الله ﷺ كل من صحبه شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه، وقال محمد بن إسماعيل البخاري: من صحب رَسُول اللَّهِ ﷺ أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه.
وقال القاضي أبو بكر محمد بن الطيب [١]: لا خلاف بين أهل اللغة في أن الصحابي مشتق من الصحبة وأنه ليس مشتقا على قدر مخصوص منها بل هو جار على كل من صحب قليلا كان أو كثيرا، وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال ولذلك يقال: صحبت فلانا حولا وشهرا ويوما وساعة، فيوقع اسم الصحبة لقليل ما يقع عليه منها وكثيره، قال: ومع هذا فقد تقرر للأمة عرف، أنهم لا يستعملون هذه التسمية إلا فيمن، كثرت صحبته، ولا يجيزون ذلك إلا فيمن كثرت صحبته، لا على من من لقيه ساعة أو مشى معه خطا، أو سمع منه حديثا فوجب لذلك أن لا يجرى هذا الاسم إلا على من هذه حاله، ومع هذا فان خبر الثقة الأمين عنه مقبول ومعمول به، وإن لم تطل صحبته ولا سمع منه إلا حديثا واحدا، ولو رد قوله أنه صحابى لرد خبره عن الرسول.
وقال الإمام أبو حامد الغزالي: لا يطلق اسم الصحبة إلا على من صحبه، ثم يكفى في الاسم من حيث حيث الوضع الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته.
قلت: وَأَصْحَابُ رَسُول اللَّهِ ﷺ على ما شرطوه كثيرون فان رسول الله شهد حنينا ومعه اثنا عشر ألفا سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوا حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناسا، وكذلك المدينة أيضا، وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين، فهؤلاء كلهم لهم صحبة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع، وكلهم له صحبة، ولم يذكروا إلا هذا القدر، مع أن كثيرا منهم ليست له صحبة، وقد ذكر الشخص لواحد في عدة تراجم، ولكنهم معذورون، فان من لم يرو ولا يأتى ذكره في رواية كيف السبيل إلى معرفته!.
وهذا حين فراغنا من الفصول المقدمة على الكتاب، ثم نخوض غمرته فنقول:
نبدأ بذكر سيدنا رسول الله ﷺ تبركا باسمه، وتشريفا للكتاب بذكره المبارك، ولأن معرفة المصحوب ينبغي أن تقدم على معرفة الصاحب، وإن كان أظهر من أن يعرف.
لقد ظهرت فما تخفى على أحد ... إلا على أحد لا يعرف القمرا
لكن الأكثر يعرفونه جملة فارغة عن معرفة شيء من أحواله، ونحن نذكر جملا من تفاصيل أموره على سبيل الاختصار، فنقول وباللَّه التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل:
_________
[١] هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب، المعروف بالباقلاني، المتكلم المشهور. توفى سنة ٤٠٣.
1 / 19
محمد رسول الله ﷺ
هو مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤي بْن غالب بْن فهر بْن مالك بْن النضر بْن كنانة بْن خزيمة بْن مدركة بْن إلياس بْن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان أبو القاسم، سيد ولد آدم ﷺ.
فأما ما بعد عدنان من آبائه إلى إِسْمَاعِيل بْن إِبْرَاهِيم الخليل صلى اللَّه عليهما وسلم، ففيه اختلاف كثير في العدد والأسماء، لا ينضبط ولا يحصل منه غرض فتركناه لذلك، ومصر وربيعة هم صريح ولد إسماعيل باتفاق جميع أهل النسب، وما سوى ذلك فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، وَأُمُّ رَسُول اللَّهِ ﷺ آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زهرة بْن كلاب بن مرة القرشية الزهرية، تجتمع هي وعبد الله الله في كلاب.
خرج عبد المطلب بابنه عبد الله إلى وهب بن عبد مناف، فزوجه ابنته آمنة، وقيل كانت آمنة في حجر عمها وهيب بن عبد مناف، فأتاه عبد المطلب، فخطب إليه ابنته هالة بنت وهيب لنفسه، وخطب على ابنه عبد الله ابنة أخيه آمنة بنت وهب، فتزوجا في مجلس واحد فولدت هالة لعبد المطلب حمزة.
أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي بن جَعْفَرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ ابن إسحاق، قال:
وكانت آمنة بنت وهب تحدث أنها أتيت حين حملت برسول الله ﷺ فقيل لها: إنك حملت بسيد هذه الأمة [١] فسميه محمدا.. فلما وضعته أرسلت إلى جده عبد المطلب تقول: قد ولد لك الليلة ولد فانظر إليه، فلما جاءها أخبرته بالذي رأت.
وكان أبوه عبد الله قد توفى وأمه حامل به، وقيل: توفى وللنّبيّ ﷺ ثمانية وعشرون شهرا وقيل:
كان له سبعة أشهر، والأول أثبت، وكانت وفاته بالمدينة عند أخواله بنى عدي بن النجار، وكان أبوه عبد المطلب بعثه إلى المدينة يمتار [٢] تمرا، فمات، وقيل: بل أرسله إلى الشام في تجارة فعاد من غزة مريضا فتوفى بالمدينة، وكان عمره خمسا وعشرين سنة ويقال: كان عمره ثمانيا وعشرين سنة.
وإنما قيل لبني عدي أخواله لأن أم عبد المطلب سلمى بنت زيد، وقيل بنت عمرو بن زيد، من بنى عدي بن النجار.
وكان عبد المطلب قد أرسل ابنه الزبير بن عبد المطلب إلى أخيه عبد الله بالمدينة فشهد وفاته، ودفن في دار النابغة.
_________
[١] في سيرة ابن هشام بعده ١- ١٥٨: «فإذا وقع إلى الأرض فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمدا» .
[٢] أي: يجلب.
1 / 20
وكان عبد الله والزبير وأبو طالب إخوة لأب وأم أمهم فاطمة بنت عمرو بْن عائذ بْن عمران بْن مخزوم.
وورث النبي ﷺ من أبيه أم أيمن وخمسة أجمال وقطيع غنم، وسيفا مأثورا وورقا، وكانت أم أيمن تحضنه.
قال: أخبرنا ابن إسحاق قال: حدثني المطلب بْن عَبْد اللَّه بْن قيس عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قيس بْن مخرمة قَالَ: ولدت أنا ورسول اللَّه ﷺ عام الفيل كنا لدتين قيل: وكان مولد رسول الله ﷺ يوم الإثنين لعشر ليال خلون من ربيع الأول، ويقال لليلتين خلتا منه، وقيل لثمان خلون منه عام الفيل، وذلك لأربعين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان بن قباذ، وكان ملك أنوشروان سبعا وأربعين سنة وثمانية أشهر.
ولما ولد ختنه جده عبد المطلب في اليوم السابع، وقيل ولد مختونا مسرورا، وقد استقصينا ذكر آبائه وأسمائهم وأحوالهم في الكامل في التاريخ فلا نطول بذكره هنا فاننا نقصد ذكر الجمل لا التفصيل، ولما ولد رسول الله ﷺ التمسوا له الرضعاء، فاسترضع له امرأة من بنى سعد بن بكر ابن هوازن بن منصور، يقال لها: حليمة بنت أبى ذؤيب واسمه الحارث، فليطلب خبرها من ترجمتها، ومن ترجمة أخته من الرضاعة: الشيماء، فقد ذكرناهما.
قال ابن إسحاق:
قالت حليمة: «فلم نزل يرينا الله البركة ونتعرفها تعنى برسول الله ﷺ حتى بلغ سنتين، فقدمنا به على أمه ونحن أضن شيء به مما رأينا فيه من البركة فلما رأته قلنا لها: دعينا نرجع به هذه السنة الأخرى فانا نخشى عليه وباء مكة، فسرحته معنا، فأقمنا به شهرين أو ثلاثة فبينا هو خلف بيوتنا مع أخ له إذ جاء أخوه يشتد [١]، فقال: أخى القرشي قد جاء رجلان فأضجعاه وشقا بطنه، فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائما ممتقعا لونه، فاعتنقه أبوه وقال: أي بنى، ما شأنك؟ فقال:
جاءني رجلان عليهما ثياب بياض فشقا بطني فاستخرجا منه شيئا ثم رداه فقال أبوه: لقد خشيت أن يكون قد أصيب، فلنرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف، قالت: فاحتملناه فقالت أمه: ما ردكما به فقد كنتما عليه حريصين؟ فقلنا: إن الله قد أدى عنا وقضينا الّذي علينا، وإنا نخشى عليه الأحداث، فقالت: اصدقانى شأنكما، فأخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان؟ كلا، والله إني رأيت حين حملت به أنه خرج منى نور أضاءت له قصور الشام، فدعاه عنكما» .
وأرضعته أيضا ثويبة مولاة أبى لهب أياما قبل حليمة بلبن ابن لها يقال له مسروح، وأرضعت قبله حمزة عمه، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد، ولما هاجر رَسُول اللَّهِ ﷺ كان يبعث إلى ثوبية بصلة وكسوة حتى توفيت منصرفه من خيبر سنة سبع، فسأل عن ابنها مسروح فقيل: توفى قبلها، فقال: هل ترك من قرابة؟ فقيل: لم يبق له أحد.
_________
[١] اشتد في العدو: أسرع.
[أسد الغابة- كتاب الشعب]
1 / 21