بسم الله الرحمن الرحيم

رب أنعمت فزد

الحمد لله, والصلاة

والسلام على رسول الله القائل : (( إن من البيان لسحرا )) (1)

أما بعد : فهذه درة ثامنة من سلسلة (( كشف خبايا الزوايا من تراث السلف, وكنوز الخلف)), وهي قصيدة من بحر الرجز لشاعر الزهد والحكمة أبي العتاهية إسماعيل بن القاسم , الشاعر العباسي المشهور المتوفى سنة 211ه

وهذه القصيدة الجميلة الرائعة المليئة بالحكم , والكلمات البليغة أثبت نسبتها لأبي العتاهية أبو الفرج الأصفهاني في كتابه ((الأغاني))(4\40) , فقال : :

وهذه ((الأرجوزة)) من بدائع أبي العتاهية , ويقال: إن له فيها أربعة آلاف مثل اه

ثم أورد منه (23) بيتا, وقال : وهي طويلة جدا وإنما ذكرت هذا القدر منها حسب ما استاق الكلام من صفتها اه

وكذا أوردها (محسن الأمين) في كتابه ((معادن الجواهر))(ص 434) , ونسبها لابن دريد

وقد قمت باستخراج ((القصيدة)) من ((الموسوعة الشعرية)) للمجمع الثقافي, ومن ((ديوان)) أبي العتاهية المطبوع في دار الأرقم بيروت 1417ه (ص370), وقابلت بينها, وذكرت الزيادات والفروق , ورقمت الأبيات , وشرحت ما غمض من الألفاظ والمفردات شرحا ميسرا مبسطا, وترجمت لشاعرنا المجيد ترجمة مختصرة, كل ذلك نفعا وحبا لطلبة العلم الشريف , كثر الله منهم , وأعانهم على حسن تحصيله , وخلوص النية في طلبه

والله سبحانه وتعالى المسؤول بفضله أن ينفع بها, ويجعل ما قمت به خالصا لوجهه الكريم, وأن يغفر لي ولوالدي آمين والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على نبينا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين

Page 1

ترجمة أبي العتاهية أبو العتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزي بالولاء الكوفي, الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة

وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة, وكان يقول بالوعيد, وتحريم المكاسب, ويتشيع على مذهب الزيدية, وكان مجيدا, وهو من مقدمي المولدين, ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس

أعطاه المهدي سبعين ألفا وخلع عليه, ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم, وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي, حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه, وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله , فقاله فاطلقوه

ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال: عذب الماء فطابا , ثم قال : أجيزوا فترددوا , ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته, وقرب مأخذه حى طلع أبو العتاهية, فقالوا : هذا , قال: وفيم أنتم .؟ , قالوا : قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه, قال : وما الذي قال ؟ قالوا: عذب الماء فطابا , فقال أبو العتاهية:

.................*** حبذا الماء شرابا

ويقال: أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية

وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال : أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا, فقال : زعم الناس أني زنديق, والله ما ديني إلا التوحيد, فقلنا : فقل شيئا نتحدث به عنك , فقال :

( ألا إننا كلنا بائد *** وأي بني آدم خالد )

( وبدؤهم كان من ربهم *** ولك إلى ربهم عائد )

( فيا عجبا كيف يعصي الإله *** أم كيف يجحده الجاحد )

( وفي كل شيء له شاهد *** يدل على أنه واحد )

قال المسعودي : ولم لم يكن لابي العتاهية إلا هذه الابيات التي أبان فيها صدق ال×اء ومحض الوفاء لكان مبرزا على غيره ممن كان في عصره اه والابيات المذكورة هي :

إن أخاك الصدق من كان معك *** ومن يضر نفسه لينفعك

Page 2

ومن إذا ريب الزمان صدعك *** شتت فيه شمله ليجمعك وكان من أبخل الناس مع يساره , وكثرة ما جمع من الأموال, وأبو العتاهية لقب غلب عليه , لأنه كان يحب الشهوة والمجون, فكنى بذلك لعتوه

نص

الأرجوزة ذات الأمثال

الحمد لله على تقديره ... *** ... وحسن ما صرف من أموره

الحمد لله بحسن صنعه ... *** ... شكرا على إعطائه ومنعه

يخير للعبد وإن لم يشكره ... *** ... ويستر الجهل على من يظهره

خوف من يجهل من عقابه ... *** ... وأطمع العامل في ثوابه

وأنجد الحجة بالإرسال ... *** ... إليهم في الأزمن الخوالي (1)

نستعصم الله فخير عاصم ... *** ... قد يسعد المظلوم ظلم الظالم

فضلنا بالعقل والتدبير ... *** ... وعلم ما يأتي من الأمور

يا خير من يدعى لدى الشدائد ... *** ... ومن له الشكر مع المحامد

أنت إلهي وبك التوفيق ... *** ... والوعد يبدي نوره التحقيق

حسبك مما تبتغيه القوت ... *** ... ما أكثر القوت لمن يموت

إن كان لا يغنيك ما يكفيكا ... *** ... فكل ما في الأرض لا يغنيكا

الفقر فيما جاوز الكفافا ... *** ... من عرف الله رجا وخافا

إن القليل بالقليل يكثر ... *** ... إن الصفاء بالقذى ليكدر (2)

يا رب من أسخطنا بجهده ... *** ... قد سرنا الله بغير حمده

من لم يصل فارض إذا جفاكا ... *** ... لا تقطعن للهوى أخاكا

العنز لا يسمن إلا بعلف ... *** ... لا يسمن العنز بقول بلطف

Page 3

الله حسبي في جميع أمري ... *** ... به غنائي وإليه فقري لن تصلح الناس وأنت فاسد ... *** ... هيهات ما أبعد ما تكابد (1)

الترك للدنيا النجاة منها ... *** ... لم تر أنهى لك منها عنها

لكل ما يؤذي وإن قل ألم ... *** ... ما أطول الليل على من لم ينم

من لاح في عارضه القتير ... *** ... فقد أتاه بالبلى النذير (2)

إن اختفى ما في الزمان الآتي ... *** ... فقس على الماضي من الأوقات

من جعل النمام عينا هلكا ... *** ... مبلغك الشر كباغيه لكا (3)

يغنيك عن قول قبيح تركه ... *** ... [ قد يوهن ] الرأي الأصيل شكه (4)

لكل قلب أمل يقلبه ... *** ... يصدقه طورا وطورا يكذبه

المكر والخب أداة الغادر ... *** ... والكذب المحض سلاح الفاجر (5)

لم يصف للمرء صديق يمذقه ... *** ... ليس صديق المرء من لا يصدقه (6)

معروف من من به خداج ... *** ... ما طاب عذب شابه عجاج (7)

Page 4

سامح إذاسمت ولا تخش الغبن ... *** ... لم يغل شي ء هو موجود الثمن (8) من عاش لم يخل من المصيبة ... *** ... وقل ما ينفك عن عجيبة

يا طالب الدنيا بدنيا الهمة ... *** ... أين طلبت الله كان ثمة (1)

يوسع الضيق الرضا بالضيق ... *** ... وإنما الرشد من التوفيق

أستودع الله أموري كلها ... *** ... إن لم يكن ربي لها فمن لها

ما أبعد الشيء إذا الشيء فقد ... *** ... ما أقرب الشي ء إذا الشي ء وجد

يعيش حي بتراث ميت ... *** ... يعمر بيت بخراب بيت (2)

صلح قرين السوء للقرين ... *** ... كمثل صلح اللحم والسكين

ما عيش من آفته بقاؤه ... *** ... نغص عيشا طيبا فناؤه (3)

إنا لنفنى نفسا وطرفا ... *** ... [ لم ] (4)يترك الموت لإلف إلفا(5)

وللكلام باطن وظاهر ... *** ... في ساعة العدل يموت الفاجر

Page 5