4
وعقد له راية على خمسة آلاف، وأمره أن يزحف إلى بيت المقدس وفلسطين، وقال له: يا بن أبي سفيان ماعلمتك إلا ناصحا. فإذا أشرفت على بلد إيلياء (أي بيت المقدس) فارفعوا أصواتكم بالتهليل والتكبير، واسألوا الله بجاه نبيه ومن سكنها من الأنبياء والصالحين أن يسهل فتحها على أيدي المسلمين. فأخذ يزيد الراية وسار. ثم دعا أبو عبيدة شرحبيل بن حسنة الذي كان كاتب وحي نبيهم، وعقد له راية، وضم إليه خمسة آلاف فارس من أهل اليمن، وقال له: سر بمن معك حتى تقدم بيت المقدس، وانزل بعسكرك عليها، ولا تختلط بعسكر من تقدم قبلك. ثم دعا بالمرقال بن هشام بن عتبة بن أبي وقاص، وضم إليه خمسة آلاف فارس مع جمع من المسلمين، وسرحه على أثر شرحبيل بن حسنة، وقال له: انزل على حصنها، وأنت بمعزل عن أصحابك. ثم عقد راية رابعة فسلمها للمشيب بن نجية الفزاري، وأمره أن يلحق بأصحابه، وضم إليه خمسة آلاف فارس من النخع وغيرهم من القبائل، وعقد راية خامسة وسلمها إلى قيس بن هبيرة المرادي، وضم إليه خمسة آلاف فارس، وسيره وراءه. ثم عقد راية سادسة وسلمها إلى عروة بن المهلهل بن زيد الخيل، وضم إليه خمسة آلاف فارس، وسيره وراءهم - فكان جملة من سرحه أبو عبيدة إلى هذه المدينة خمسة وثلاثين ألفا» وقصده بذلك إرهابنا بنزول أمير علينا في كل يوم، وهذه مقدمة جيشهم، وقد سمعت واحدا منهم يقول بعد وصولهم: «ما نزلنا ببلد من بلاد الشام فرأينا أكثر زينة ولا أحسن عدة من بيت المقدس، وما نزلنا بقوم إلا وتضعضعوا لنا وداخلهم الهلع وأخذتهم الهيبة إلا أهل بيت المقدس فلا يكلمنا منهم أحد ولا ينطقون غير أن حارسهم شديد وعدتهم كاملة».
5
فهنا ضحك الوالي، ونظر إلى القائد، فابتسم القائد افتخارا بشهادة العدو بثبات جأش الجند والأمة. فقال الوالي ليوحنا: وماذا سمعت عن باقي مدن فلسطين؟ فقال الرسول: إن جند العرب تفرقوا فيها، وهاجموها من كل صوب؛ فبيسان وطبرية واللد والرملة ويافا وقيسارية (قيصرية) وغزة ونابلس وعمواس وبيت جبرين وأجنادين - بعضها وقع وبعضها سيقع في قبضتهم. فقال القائد: وهل سمعت شيئا عن الشام؟ فقال الرسول: إن أبا عبيدة قصد حمص من دمشق بعد إرساله الجند إلى فلسطين. فلما علم جيشنا بذلك ظن أنه قادر على استرداد دمشق فزحف إليها، فعاد أبو عبيدة وخالد بجندهما، ولاقياه في مرج الروم قرب دمشق فكانت الغلبة لجيش العرب أيضا * ويقال: إن قائد العرب أبا عبيدة سيقصدنا في وقت قريب.
وما أتى الرسول على هذا الكلام حتى دخل راهب، وأخبر البطريرك أن في الباب سيدة وشيخا يستأذنان بالدخول، وكانت السيدة هي أم تيوفانا قدمت وهي تبكي خوفا من العرب على ابنتها التي ذهبت لتوصل الفتاة الوثنية إلى دير العذراء، وأما الشيخ فهو أبو أستير وقد جاء خائفا على ابنته أيضا؛ ليلتمس من البطريرك الإذن له بالذهاب إلى الدير لافتقاد ابنته. فضجر البطريرك من مقابلتهما، وأمر الراهب أن يبلغهما أن العذراء تحمي ديرها، وتسهر عليه. ثم أردف بقوله: إن العرب ليسوا كالفرس؛ بل هم يعبدون الله مثلنا، ولذلك يحترمون المنقطعين إليه تعالى
6
فلا تخافوا منهم على الدير.
الفصل الثامن
تاريخ حياة إيليا
قبل الحوادث التي تقدمت
Unknown page