صور من صرف العبادة لغير الله
لو أخذنا قضية الخوف، فإن الخوف نوع من أنواع العبادة، لكن الخوف نوعان: خوف جبلي، وهو ما وضعه الله ﷿ في النفوس، من أنها تخاف من أشياء في الدنيا، وهو خوف وضعه الله ﷿ في النفوس لنجاتها وسلامتها، ولتعيش في هذه الدنيا ما كتب الله ﷿ لها من أجل، فأنت تخاف من الأسد فتهرب منه، وتخاف من الظالم فتتقيه؛ إما بإعطائه وإما بالهروب منه، وتخاف ممن هو أقوى منك إما بمداراته وإما بالهروب منه وهكذا.
إذًا: هذا خوف جبلي لا إشكال فيه ولا لوم، ولهذا قال الله ﷿: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى * قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى﴾ [طه:٦٧ - ٦٨] فموسى لم يكن ملومًا في هذا الخوف، وقال الله ﷿ لموسى وهارون: ﴿لا تَخَافَا﴾ [طه:٤٦] فهذا خوف جبلي، وكذلك إبراهيم أوجس من رسل الملائكة: ﴿قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ﴾ [الذاريات:٢٨] فهذا خوف جبلي ليس له علاقة بتوحيد إبراهيم ﵇، وهو صاحب الملة الحنيفية.
إذًا: هذا خوف لا إشكال فيه، فأنت تخاف من الأسد؛ لأنه أقوى منك، وتخاف ممن هو أقوى منك من بني آدم؛ إما لأنه أقوى منك في بدنه، وإما لأن معه سلاحًا لا تستطيع مقاومته، كأن يكون معه سكين أو رشاش أو مسدس أو سيف وأنت أعزل، فلا شك أنك ستخاف وهذا خوف جبلي وفطري، بل قد يكون أحيانًا سبيل النجاة.
ولهذا قلنا: الشرك هو مساواة غير الله بالله فيما هو من خصائص الله، والخوف الطبيعي ليس فيما هو من خصائص الله، إنما الذي من خصائص الله أن تخاف من إنسان أو من مخلوق خوفًا مما لا يقدر عليه إلا الله هذا هو الشرك، وذلك كأن تخاف من الغائب، أو من المقبور في قبره، أو تخاف من أشياء لا حقيقة لها، وتخافها أكثر من خوف الله، إما لأنها أصلًا ليس لها قدرة فتخافها، أو لها قدرة ولكنك تخافها أكثر من خوف الله ﷿، وهذا أيضًا لا يجوز.
أيضًا: الحب، هناك أشياء محبوبات في الدنيا وضعها الله ﷿ لتقوم بها الحياة، فأنت تحب المال، وتحب أهلك وزوجك وأولادك، وتحب أشياء كثيرة، وهي محبوبات طبيعية جبلية، لكن إذا كانت أحب من الله ﷿ دخلت في دائرة الشرك، قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ [التوبة:٢٤].
إذًا: التوحيد هو إفراد الله بما يختص به، فلا تشرك معه غيره، كما أن الشرك هو: مساواة غير الله بالله فيما يختص به الله ﷾، إذًا فتبين لك بهذا أن التوحيد والشرك هما وجها عملة التوحيد: إفراد الله، والشرك: مساواة غير الله بالله.
1 / 11