Cumdat Ricaya
عمدة الرعاية بتحشية شرح الوقاية
Genres
وبالجملة؛ فتلك الكلمة: يعني بلغت رواياته إلى سبعة عشر قد كذبتها عبارة ابن خلدون نفسه، وكذبتها عبارات غيره، وشهدت ببطلانها دلالة إجماع المحدثين والمؤرخين، ونادت بكونها غلطا مطالعة كتب أبي حنيفة وتلامذته المتقين، وحكمت بعدم قبولها معاينة كلام غيرهم من المجتهدين، ومع هذا كله فلا يؤمن بها إلا المعتدي المهين لا العاقل الفطين، وما مثلها إلا كما لو قيل في حق البخاري رئيس المحدثين أنه بلغته من الأحاديث ثلاثة أو عشرون فقط، وإنه لم يكن من الفقهاء ولا كان من المجتهدين قط، ولا ريب في أن مثل هذه الكلمات التي تشهد ببطلانها شهادة الوجود، ودلالة الإجماع، ويحكم بكونها غلطا العقل والنقل بلا دفاع، لا تقبل عند أحد بلا نزاع، فاحفظ هذه كله فإنه ينفعك في دنياك وآخرتك.
وأما ثناء الناس عليه، وشادتهم له باجتهاده في العبادة وتقواه وورعه، ومبلغه في الطاعة، وغيرها من المناقب وأوصاف النباهة؛ فقد ذكر الخطيب البغدادي في ((تاريخه))(1)، والنووي(2)، وابن حجر، والسيوطي(3)، والذهبي(4)، واليافعي(5)، والشعراني(6)، والمزي(7) وغيرهم من أجلة المحدثين والمؤرخين من ذك جملة وافرة، ولو جمعت في مجموع لكان مجلدا كبيرا، ولنكتف على بعضه:
فعن عبد الله الرقي، قال: كلم ابن هبيرة وكان عاملا على العراق في زمان بني أمية أبا حنيفة أن يلي قضاء الكوفة فأبى عليه، فضربه مئة سوط، عشر أسواط في كل يوم، وهو مع ذلك على الامتناع، فلما رآى ذلك تركه.
Page 162