162

[161_2]

واستشار المأمون خاصته فأشاروا عليه بعلي بن موسى الرضا، فعقد له ولاية العهد من بعده، لما رأى من فضله البارع، وعلمه الناصع، وورعه الظاهر، وزهده الخالص، وتخليه عن الدنيا ولقبه الرضا من آل محمد، وساوى بين آل علي وآل هاشم، غاضا الطرف عن شكاية بني العباس. وكانوا قد بلغ عددهم لعهده ثلاثة وثلاثين ألف إنسان. وبذلك استقرت الحال، وكفيت المملكة شر الغوائل الداخلية.

وتجلى عقل المأمون في هذه الطريقة الجديدة، بيد أن عمله لم يرض عنه الشيعة ولا السنة: الشيعة لا يرضيهم إلا القبض مباشرة على قياد الأمر، وإزالة كل ملك إلا لشيعتهم، والقضاء على كل خليفة وخلافة؛ والسنة لأنه عهد بولاية العهد إلى أمثل رجل علوي في عصره، فحاذروا ان تخرج الخلافة عنهم، وتهامسوا بشيعية المأمون، وهو فوق ما تصوروا وقدروا، اتخذ خصومه من هذا العمل حجة لإفضاء الخلافة إليهم، فأبوا نواجذ الشر ولكنهم لم يفلحوا.

أما صلات المأمون مع الدول المجاورة فكانت حسنة في الجملة، خصوصا مع صاحب الروم، ومملكة هذا ظلت في ذاك العصر على شيء من التماسك والقوة أمام سلطان العرب، بيد أن كلمة المأمون كانت هي العليا في فض كل خلاف يعبث بحقوق الجوار، ويشوه وجه السلام الجميل. كتب توفيل بن ميخائيل صاحب الروم مع وزيره يطلب من المأمون الصلح وعرض الفدية، ومما قال في كتابه: وقد كنت كتبت إليك داعيا إلى المسالمة، راغبا في فضيلة المهادنة، لتضع أوزار الحرب عنا، ونكون كل واحد لكل واحد وليا وحزبا، مع اتصال المرافق، والفسح في المتاجر، وفك المسأسر، وأمن الطرق والبيضة فكتب إليه المأمون يهدده برجاله: الذين يتقربون إلى الله بدماء الروم، وهم أظمأ إلى ورود المنايا منهم إلى السلامة، جاء في آخره غير أني رأيت أن تقدم إليك بالمواعظ التي يثبت الله بها

Page 161