Umam Muttahida Muqaddima Qasira
الأمم المتحدة: مقدمة قصيرة جدا
Genres
كان الأثر الأساسي لحركة عدم الانحياز هو تركيز أنشطة الأمم المتحدة واهتماماتها على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وتحديدا على قضية التوزيع غير العادل للثروة بين دول الشمال والجنوب. أبرز أول مؤتمر للأمم المتحدة للتجارة والتنمية - الذي عقد في عام 1964 - هذا الهدف من خلال تكوين مجموعة السبعة والسبعين، وهي منظمة حرة لتنمية بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا وتحاول إبقاء المساعدات الإنمائية على رأس خطة عمل الأمم المتحدة.
وقد نجحت في هذا المسعى؛ فمن الجلي أن منظمة الأمم المتحدة الموسعة ركزت على القضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الستينيات والسبعينيات، وقد عقدت مؤتمرات دولية كبرى برعاية الأمم المتحدة عن البيئة (1972) وعن وضع المرأة (1975)، وتبنت الأمم المتحدة اتفاقيات ضد التفرقة العنصرية (1969)، ولمكافحة التعصب والتفرقة على أساس النوع (1979). ونجح برنامج الأمم المتحدة للبيئة في الضغط من أجل توقيع اتفاقية حماية طبقة الأوزون (بروتوكول مونتريال) في عام 1987. وفي عام 1980 أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على مرض الجدري (إذ ظهرت آخر حالة إصابة بالمرض عام 1977). ومع أن قدرة المنظمة على التعامل مع قضايا الأمن الدولي (وخاصة تلك المتعلقة بالحروب بين الدول وداخل الدولة نفسها) كانت محل شك خلال الحرب الباردة، واجهت الأمم المتحدة بنشاط وفعالية العديد من التحديات العالمية الأخرى، وتحديدا تلك التي تواجه الأعضاء الجدد. (6) الأمم المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة
غير انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة من وجه السياسة الدولية والأمم المتحدة. فمع اختفاء المواجهة المتواصلة بين الشرق والغرب، توقع الكثيرون أن يستطيع مجلس الأمن أخيرا أن يضطلع بدوره الشرعي في توفير السلم والأمن الدوليين وضمانهما. ووفق «خطة السلام»، المبرمة في صيف عام 1992، ستستخدم الأمم المتحدة الدبلوماسية الوقائية وصنع السلام وحفظ السلام لترك بصمتها على النظام الدولي التالي على الحرب الباردة. ومع انتهاء المواجهات بين القوتين العظميين، كان من المفترض أن تصير المساعدات الإنمائية أقل تسييسا؛ ومن ثم نشرت الأمم المتحدة في عام 1994 «خطة التنمية». بعد ذلك ضغط نشطاء حقوق الإنسان، كي لا يتخلفوا عن الركب، لتمرير «خطة الديمقراطية» في عام 1996. ولو كان عدد الخطط مؤشرا، لكنا بصدد عصر ذهبي من الحوكمة العالمية. وكما قال الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان عند تسلمه جائزة نوبل للسلام عام 2001، فإن «هذه الحقبة من التحديات العالمية لا تترك لنا خيارا سوى التعاون على المستوى العالمي».
4
كان عنان، ذلك الغاني ذو الشخصية الآسرة، الذي قاد الأمم المتحدة لعقد من الزمان (1997-2007)، محقا بلا ريب. لكنه كان مدركا بالتأكيد أن تلك المثل السامية كانت أبعد ما تكون عن التحقق في بداية الألفية الجديدة. وقد شهد العقد ونصف العقد التاليان على نهاية الحرب الباردة الكثير من التغيرات، سواء في سياسات الأمم المتحدة أو داخل المنظمة نفسها، لكن ندر أن يكون من بينها التدخل على نحو أكبر في شئون العالم.
تحقق النمو بطرق متعددة؛ فقد زاد عدد أعضاء الأمم المتحدة من 159 دولة في عام 1989 إلى 192 دولة عام 2007، وفي الفترة نفسها قفزت ميزانية الأمم المتحدة من 2,6 مليار دولار إلى حوالي 20 مليار دولار. نتج هذا في جزء منه عن الزيادة في عدد عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة منذ نهاية الحرب الباردة. فخلال العقود الأربعة الأولى لوجود الأمم المتحدة، أجريت ثلاث عشرة عملية لحفظ السلام، وأجيزت ست وثلاثون عملية منذ عام 1988. وفي عام 2007 بلغت قوات حفظ السلام في العالم قرابة الثمانين ألف فرد، مقارنة بثلاثة عشر ألفا قبل هذا التاريخ بعقدين. زادت تكلفة هذه العمليات عشرة أضعاف: من حوالي 500 مليون دولار في أواخر الثمانينيات إلى 5 مليارات دولار في عام 2006. وفي الوقت ذاته، أفرطت الأمم المتحدة في تقديم الكثير من الخطط والتعهدات الطموحة، المدعومة بعدد لا يحصى من الدراسات والمؤتمرات. تبلور أغلب هذا النشاط في عام 2000، حين كشفت الأمم المتحدة النقاب عن «الأهداف الإنمائية للألفية»، وهي قائمة بثمانية أهداف عالمية تراوحت بين تقليص الفقر إلى النصف حتى وقف انتشار فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وتوفير التعليم الأساسي على مستوى العالم. ومن المفترض أن يتحقق هذا كله بحلول عام 2015.
لكن لم يستطع كل هذا النمو والنشاط أن يخفي الحقائق القاسية التي واجهتها الأمم المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة. فبالرغم من الزيادة الحادة في عدد عمليات حفظ السلام التي اضطلعت بها، فإن الإخفاقات تتفوق على النجاحات؛ فعلى سبيل المثال: مع أن الأمم المتحدة نجحت في تحويل ناميبيا إلى حكم الأغلبية، فإنها فشلت في منع المجازر التي وقعت في كل من يوغوسلافيا السابقة ورواندا. ومع أن نسبة البشر الذين يعيشون في فقر مدقع في آسيا قد تكون انخفضت في السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، فإن أعدادا مشابهة ارتفعت في أفريقيا.
وهكذا كانت أول ستة عقود من عمر الأمم المتحدة مفعمة بالتغيير. وقد دللت زيادة عدد الأعضاء وحدها على أن المنظمة كانت، بحلول أوائل القرن الحادي والعشرين، المنظمة العالمية الوحيدة بحق. لكن هذا التطور كان محفوفا بالتحديات والإحباطات، في حين تعاملت منظمة الأمم المتحدة سريعة التغير مع قضايا الأمن البشري والدولي، وإدارة ما بعد الصراع، وحقوق الإنسان، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. ومن خلال العمل على مستوى عالمي، وبهيئة عاملين دولية وداخل نظام دولي تسيطر عليه الصراعات، لم تحقق الأمم المتحدة عادة سوى نجاح محدود متفاوت وحسب في أي من هذه المناحي.
أحد السبل لفهم السبب وراء ذلك الحال يكمن في الهيكل المختلط نفسه للمنظمة الدولية.
الفصل الثاني
Unknown page