Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
على أنه لم تسلم طباعه من التبرم بالناس، واليأس من صدق مودتهم، ويبدو ذلك منه عند ضيقه في حبسه أو إفلاسه، وكثيرا ما لازم الإفلاس شاعرنا لعظم سخائه، فتراه متشائما، شاكيا متبرما يقول:
عليك باليأس من الناس
إن الغنى ويحك في الياس
فهذا الشاعر السمح الطروب، السادر في فتكه وغلوائه، لم يخل عيشه من ساعات سود تجده فيها عابسا قنوطا.
تلونه في نسبه
سأله الخصيب في مصر عن نسبه فأجاب: «أغناني أدبي عن نسبي.» وقيل إنه كان يخجل به فيخفيه، ويخفي اسم أمه لئلا يهجى، وقيل أيضا إنه كان يجهله، فلذلك كثر تلونه فيه وتنقله في القبائل؛ فزعم في أول دعوته أنه من ولد عبيد الله بن زياد بن ظبيان من تيم اللات من بكر وائل، فقيل له: «إن الرجل الذي تدعى إليه لا عقب له؛ لأنه فلج ومات ولا ولد له، فلو أنك قلت من ولد أبان بن زياد أخي عبيد الله قلنا معك.» فاستحيا أبو نواس وهرب من تيم اللات، وادعى أنه تميمي من ولد الفرزدق، وتكنى بأبي فراس وهي كنية الفرزدق، وأخذ يتعصب للنزارية ويهجو اليمن، حتى وقع بينه وبين الحكم بن قنبر التميمي ملاحاة، فهجاه الحكم ودفعه عن تميم، وعيره نسبه وذكر بريه العود، فافتضح أبو نواس، فانقلب على النزارية وادعى اليمنية، وانتسب إلى قبيلتي حاء وحكم، فزجره يزيد بن منصور الحميري خال المهدي، وقال له: «أنت خوزي
60
فما لك ولحاء وحكم.» فقال: «أنا مولى لهم.» فتركته اليمانية، وقال بعضهم لبعض: «إنه لظريف اللسان، غزير العلوم فدعوه، وبهذا الولاء يتعصب لنا، ويكايد عنا ويهجو النزارية.» فكان كما قالوا؛ فانقلب إلى اليمن، وعدل عن كنيته بأبي فراس، واكتنى بأبي نواس، وتندم على هجاء اليمن، وكان قد هجا معها هاشم بن حديج الكندي، فاعتذر له ومدح اليمن.
فيتبين من ذلك أن شاعرنا لم يكن ذا عصبية عربية، وإنما انتسب إلى نزار ليعتز بها، فلما دفعته نزار وهجاه أحد أبنائها لجأ إلى اليمن، ومع أن اليمن رضيت به مولى لها فقد كان يؤثر التعاجم، ويفضل الفرس على العرب، ويشايع الشعوبية، وقد أفضى به تعاجمه إلى السجن، كما مر بنا.
أساتذته وعلومه
Unknown page