283

Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Genres

المقامات

15

أقاصيص خيالية مختلفة الأغراض والموضوعات، فمنها الأدبية، ومنها العلمية. ومنها الدينية، ومنها الاجتماعية أو الخلقية، ومنها المجونية. وفيها سخر شديد، ونقد لاذع. وفيها ضروب من التخابث والاحتيال، للتكسب والتعيش. وفيها صور متلونة لطبائع المجتمع وعاداته.

ومدار المقامات على بطل متبدل الألوان، كثير الاحتيال، فيه شر كبير، وفيه خير كبير؛ فهو دين منافق، صادق كاذب، متزهد ماجن، واعظ مخادع، كل شيء وضده. وهو إلى ذلك واسع العلم والأدب، شاعر خطيب، متكلم راوية، تجده في كل مقامة، وقلما خلت مقامة منه، ويتولى الحديث عنه راوية خيالي مثله، يفاجئه في كل مقامة، ويفضح أسراره، وينقل أخباره.

والفن القصصي ضعيف في المقامات لقصرها؛ ثم لأن القصة ليست غاية فيها بل واسطة لإظهار شخصية بطلها في مختلف أحواله. ولقد تمر مقامات غثة باردة لا قيمة فيها للقصة البتة.

وتمتاز المقامات في جمال لغتها، وكثرة غريبها، واعتمادها على المجاز أكثر من الحقيقة، واصطباغها بالصنعة أكثر من الطبع، فهي ملتزمة السجعات، أنيقة العبارات، حافلة بالمحسنات المعنوية واللفظية. فيها الأمثال والأشعار، والآيات والأحاديث، فكل مقامة قطعة أدبية، لغتها لغة الشعر على الأكثر لا لغة النثر.

مخترع المقامات

وبديع الزمان أول من جاءنا عنه فن المقامات، فله فضل المتقدم، وإن زعم بعضهم أنه أخذه عن أستاذه ابن فارس، فليس في آثار أستاذه ما يرجح هذا الزعم فضلا عن تأكيده. ولا يحط من قدر البديع قول الحصري في زهر الآداب إنه ترسم ابن دريد في أحاديثه الأربعين؛ لأن أحاديث ابن دريد نوادر ولطائف لم يستقل بها دون غيره، فللجاحظ مثلها في البخلاء والحيوان، وكذلك لابن قتيبة في عيون الأخبار، ولابن عبد ربه في العقد الفريد. وهو في هذه الأحاديث يتوخى إظهار فصاحة الأعراب، والإشادة بفضائلهم، وليست المقامات كذلك. ويروي أحاديثه عن عدة رواة معروفين، وللمقامات راوية خيالي واحد. وفي الأحاديث أبطال مختلفة، وللمقامات بطل واحد.

وإذا جاز أن يجعل الحديث نواة للمقامة فمن باب التشابه القصصي، فالمقامة حكاية فنية راقية وضعت للخاصة، وأما الحديث فنادرة يتلهى بها العامة والخاصة معا. وكيف دار الأمر فالمقامات غير الأحاديث الدريدية، ولا فضل في اختراعها إلا لبديع الزمان.

تحليل مقامات البديع

Unknown page