228

Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya

أدباء العرب في الأعصر العباسية

Genres

وجملة القول أن مدح المتنبي جيد بارع لولا غلوه الممقوت، وأفخمه ما جاء في سيف الدولة، وأبرعه ما جاء في كافور.

رثاؤه

يختلف رثاء المتنبي باختلاف صلته بالمفقود، وشعوره بوقع المصاب، فقد اضطر إلى رثاء أشخاص لم يحزنه الرزء بهم، فجاء شعره متصلب العاطفة، فاقد الشعور، كرثائه لأم سيف الدولة وابنه وأخته الصغرى، ولمحمد بن إسحاق التنوخي، ولعمة عضد الدولة. ولكنه ستر عجزه بإرسال الحكم البليغة ووصف المأتم والجنازة ومدح الميت أو مدح آله. وإن نفسا كبيرة كنفس أبي الطيب تهزأ بالدهر ومصائبه، ويغلب عليها العقل أكثر من العاطفة، لا يهون على الدهر أن يذلها ويلينها، مهما جر عليها من حوادثه وخطوبه. ولكن قد تمر بها أحوال قاهرة تخضعها للعاطفة ولو زمنا يسيرا، فتتصاعد منها زفرات، وتنحدر دموع، كما جرى للشاعر في رثائه جدته لأمه، وأبا شجاع فاتك، وأخت سيف الدولة الكبرى، فإنه ذرف على هؤلاء الثلاثة ثلاث دمعات صادقات. فقد ماتت جدته بالكوفة وهو بعيد عنها، وكان قد طال غيابه بعد أن أخفق في دعوته، فبرح بها الشوق، فأرسلت إليه كتابا تطلب منه أن يحضر، فشخص إلى العراق، ولكنه تعذر عليه دخول الكوفة، لأسباب غير واضحة، فجاء بغداد، وكتب إليها يسألها المسير إليه، وكانت قد يئست فقبلت كتابه شوقا، وغلب عليها السرور فحمت وماتت، فكان لموتها على هذه الحال أثر عميق في نفسه، فجزع عليها وبكاها، وأرسل الدمعة الأولى أحر دمعة روى بها تراب ميت:

لك الله من مفجوعة بحبيبها

قتيلة شوق غير ملحقها وصما

أحن إلى الكأس التي شربت بها

وأهوى لمثواها التراب وما ضما

ومات أبو شجاع فاتك، بعد خروج المتنبي من مصر، وكان أبو الطيب يحبه لشجاعته وكرمه، فرثاه متوجعا، ذارفا دمعته الثانية على ضريح ميت:

برد حشاي إن استطعت بلفظة

فلقد تضر إذا تشاء وتنفع

Unknown page