Udaba Carab Fi Acsur Cabbasiyya
أدباء العرب في الأعصر العباسية
Genres
وما خالف أن يكون في النحل أنبياء، بل يجب أن تكون النحل كلها أنبياء، لقوله على المخرج العام:
وأوحى ربك إلى النحل
ولم يخص الأمهات والملوك واليعاسيب
10
بل أطلق القول إطلاقا.» وقال أيضا: «وزعم بعض المفسرين وأصحاب الأخبار أن أهل سفينة نوح كانوا تأذوا بالفأر، فعطس الأسد عطسة، فرمى من منخريه بزوج سنانير، فلذلك السنور أشبه شيء بالأسد. وسلح الفيل زوج خنازير، فلذلك الخنزير أشبه شيء بالفيل. قال كيسان: فينبغي أن يكون ذلك السنور آدم السنانير وتلك السنورة حواءها. وضحك القوم.»
وهذه الشواهد كافية للدلالة على تهكم الجاحظ برجال الدين من غير المعتزلة، وتسفيهه أقوالهم، فلا بدع أن ينقموا عليه، ويتتبعوا هفواته، ويرموه بكل نقيصة ومعرة؛ فقد اتهموه بدينه، وقالوا إنه زنديق، واتهموه بصنع الحديث، والتهاون بالصلاة، ووضعوا عليه روايات لا محل لذكرها، على أننا وإن كنا نعتقد أن الجاحظ ليس من أولئك المتشددين في أمر الدين، ولا من الذين يؤمنون بأحكامه دون أن يحتكموا إلى عقولهم، لنأبى أن نجاري من يرمونه بالزندقة والإلحاد، فليس في كتبه ما يدلنا على كفره، وإنما هي مشبعة بالعاطفة الدينية، لا يفتأ يتحدث فيها بقدرة الله وحكمته في خلقه. وقلما روى خبرا إلا ذكر الله وأثنى عليه. وإذا تكلم على منافع الكتب فضل كتب الله على غيرها. وإذا ذكر الفصاحة لا يجد أفصح من النبي محمد، فمن كان هذا شأنه فما هو بزنديق وإنما هو مفكر حر التفكير يشك في موضع الشك، ويؤمن في موضع الإيمان. وكان له من روح عصره وأحوال بيئته ما يفسح له في مجال الشك والسخر؛ فشك وسخر، ولكنه لم يسقط في الكفر والجحود. وليس التهاون بالصلاة ضربا من الكفر إذا صح أن الجاحظ كان لا يقيمها في أوقاتها. ولم يقم دليل قاطع على وضعه للأحاديث، وهبه وضع - تماجنا أو مداعبة أو نكاية - شيئا منها فما يؤثم به لأنه كان يتهم الأحاديث، ولا يثق بها، وقبله أبو حنيفة لم يعتد بالحديث، فالجاحظ مستهزئ ساخر، معتزلي يعتمد على العقل، ولكنه ليس بزنديق.
أستاذوه وعلومه
رغب الجاحظ في العلم وهو حدث، فكان يذهب إلى الكتاب في البصرة مع ما هو فيه من خصاصة، ثم عمد إلى دكاكين الوراقين يكتريها ويبيت فيها للنظر، ولم يقع في يده كتاب إلا استوفى قراءته، ثم اتصل بشيوخ العلم وأئمة الأدب فأخذ عن أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري وأبي الحسن الأخفش. وتخرج في الكلام والاعتزال على أبي إسحاق النظام. وكان يشهد المربد، ويسمع اللغة من الأعراب شفاها.
وحدث عن جماعة من الفقهاء كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة، ويزيد بن هارون، والسري بن عبدويه. وروى عنه المبرد، ويموت بن المزرع،
11
Unknown page