161

Tūnis al-thāʾira

تونس الثائرة

Genres

وإني أقول: إن الذين قاموا بإخراج الوزراء من بيوتهم عندما ارتكبوا فعلتهم، لم يكن سلوكهم لائقا بماضينا ولا بسمعتنا وبشرفنا.» (4) ولادة وزارة البكوش

بقيت المملكة التونسية من غير وزارة بعد أن ألقت السلطات الفرنسية القبض على أعضاء وزارة السيد محمد شنيق، وانقطعت العلاقات تقريبا بين تونس وفرنسا؛ إذ رفض جلالة الملك أن يستقبل المقيم العام رغم إلحاحه المرة تلو المرة، فاحتار «دي هوتكلوك» واضطربت أمور البلاد أكثر من كل وقت مضى، ولم يأت العدوان بالنتيجة المأمولة، فلجأت الإقامة العامة إلى أخس الوسائل وأرذل الطرق تستخدمها لإخضاع القصر لإرادة الاستعمار الفرنسي، فأكثروا الرسل إلى القصر من أصدقاء فرنسيين وتونسيين؛ ليبثوا فيه الأخبار الزائفة بقصد إنزال الخوف والرعب في القلوب، وجاء أحدهم (وهو دي ماتيبي، العضو البارز في حزب كولونا عدو التونسيين جميعا) مظهرا الإزعاج والارتباك، وقابل حالا أنجال جلالة الملك وبناته، وقال لهم: إن الحكومة الفرنسية قررت خلع الملك وتعويضه بغيره، وستأخذه على حين غفلة هو وعائلته، «ولن تمهلكم حتى تجمعوا ما تحتاجون إليه في حقائبكم، فأسرعوا في جمعها من الآن»، وتيقن أهل الملك أن الأمر قد تم، فرتبوا أمورهم وجمع كل واحد منهم ما أمكن من ثياب في حقائبه، وبقوا ينتظرون الأمر المحتوم والقدر المنكود، وساد السكون والهدوء في القصر كله، وبقوا على تلك الحالة أياما بلياليها والإقامة العامة ترسل مخبريها في كل ساعة، تارة بالوعيد والخلع وطورا بالرضى والوعود.

واتخذ الضغط على جلالة الملك أساليب شتى كثيرة؛ لأن المقيم كان يرمي إلى كسب الوقت، فاستخدم الصحافة الاستعمارية التي كانت تسير حسب إشارته، وكتبت جريدة «لابريس» بتاريخ 27 مارس مقالا يقطر سما حول موقف جلالة الباي، ختمته بالعبارات الآتية: «الآن وقد زالت الوزارة، هل يتحرر الأمير في أعماله، وهل يرضى بعزل وزرائه وتعويضهم بآخرين، ولو باحتراز ولو يلجأ إلى الاحتجاج رسميا على الإجراءات التي اتخذت أمس، كما فعل سلطان مراكش؟ أم هل سيتمسك بموقفه حتى النهاية ويبقى سجين السلوك الذي اتبعه إلى الآن ولو أداه ذلك إلى الخلع؟»

ووصل إلى تونس مبعوثان خاصان من رئيس الجمهورية الفرنسية يوم الجمعة 28 مارس (فورجو الأمين الأول لرئيس الجمهورية - وزميله كوسيوسكو رئيس ديوانه)، وقد جاءا في الطائرة التي أقلتهما من باريس إلى تونس بالأمير سليمان باي ابن ولي العهد عز الدين باي؛ ليزيدا التهديد بالخلع وضوحا، ونشرت الصحف الاستعمارية - ومنها «لابريس» و«الدبيش تونسيان» - صورة ذلك الأمير.

وأتى المبعوثان برسالة خاصة من رئيس الجمهورية، وهي أعظم برهان على أن «دي هوتكلوك» السفاك ليس هو المسئول الوحيد على البطش والمجازر، بل الحكومة الفرنسية كلها بما فيها رئيس الجمهورية، هي المسئولة الحقيقية على العدوان - وقد سلماها لجلالة الملك في المقابلة التي تمت يوم الجمعة 28 مارس على الساعة الحادية وخمس وثلاثين دقيقة، نص الرسالة التي كانت جوابا عن برقية 25 مارس:

باريس، 27 مارس 1953

صديقي العزيز

لقد كان عجبي شديدا من لهجة وشكل الرسالة التي وجهها إلى سموكم.

ولكي أصرح أنها كانت جارحة لي، فلن أكتفي بالتذكر بعلاقاتنا الشخصية فقط، التي تكونت في وقت كان فيه المشوشون الذين يحدثون اليوم الاضطرابات في تونس يهددون عرشكم، وكنتم أنتم أنفسكم تعبرون فيه عن ثقتكم في صداقتنا. ولكن أريد أن أذكر أن لا شيء يمكن أن يقطع روابط الود التي تربط بين تونس وفرنسا حسب التقاليد، ولا يمكن بحال أن نقطع أعمال المدنية البشرية الجليلة التي قامت بها فرنسا في مملكتكم بمعية أسرتكم من غير أن نلحق أضرارا بشعبينا، تلك الأعمال التي انتفع بها في جميع الميادين أولئك الذين يقفون اليوم من غير ترو ضد المشاركة معنا.

بل في قطع ذلك المجهود خسارة للقضية نفسها التي يدعون الدفاع عنها، وأن الاضطرابات الدامية التي تدمى لها قلوبنا؛ لتدل على الفوضى التي سرعان ما تنهار فيها مملكتكم، لو أسلمت للاضطراب.

Unknown page