وكان كل ذلك لم يشف غليل الفرنسيين، فأخذوا يعتقلون الناس بالجملة ويختطفونهم اختطافا من الشوارع، وخاصة في مدينة تونس؛ فقد شنت قوات الأمن في عشية يوم السبت 18 مارس حملة اعتقالات واسعة النطاق بالأحياء العربية، فكانت تلقي القبض على المارة والجالسين في المقاهي بأحياء باب الخضراء والمرجانية والحلفاوين، وقد بلغت الإيقافات نحو المائة بدون موجب رغم استظهار المقبوض عليهم ببطاقات التعريف بشخصياتهم، ولكن عربات البوليس قد عادت غانمة مثقلة بما اقتنصته.
واستمر اختطاف الناس من الطريق العام، وهي وسائل منافية لحرية الأفراد في السير بالطريق آمنين والسعي لقضاء حوائجهم.
وحوالي الساعة الرابعة من عشية يوم الأحد 23 مارس سدت الطرقات والأنهج المؤدية إلى أحياء باب الخضراء، ونهج العسل وباب سيدي عبد السلام وباب سيدي عبد الله وباب سيدي قاسم؛ بحيث طوقت العاصمة التونسية بالقوات المسلحة وحوصر سكانها، وكل من بارح منزله أو دكان شغله التقط وزج به في العربة السوداء وسيق إلى حيث ينزل ضيفا في أحد المحتشدات أو في مقر الشرطة.
وفي نفس الساعة طوق حي الحلفاوين والتقط منه المارة وجلاس المقاهي من جانب البوليس السري والعلني، ودامت هذه العملية ساعة تقريبا.
وفي صباح يوم الأحد 23 شنت حملة بوليسية على سوق الخضر بحي سيدي البحري، ورفعت خضر الباعة كلهم وغلالهم إلى مستودع المحجوزات البلدي، وسيق أربابها إلى عربة البوليس. وقد اتسع نطاق هذه الحملة إلى المقاهي هناك برفع جلاسها، كما شنت حملة مماثلة في نفس الوقت على سوق الحي الإسرائيلي، ودامت إلى الزوال. (17) نداء من أعماق السجن
وكان المساجين يقاسون ألوانا من العذاب لا يطيقها بشر، ورغم ما هو فيه تابعوا كفاحهم الوطني وارتفعت أصواتهم من أعماق السجن محتجين على معاملتهم بتلك الطرق الوحشية، وأرسلوا نداء إلى الصحافة جاء فيه:
إن المعتقلين السياسيين المحشودين بشق «السيلونات» بالسجن المدني بجوار المحكوم عليهم بالإعدام والمجرمين، يعانون كل أنواع الظلم والاضطهاد من إدارة السجون سواء من الناحية المادية أو الأدبية.
وبعد أن طالبوا بالسجن السياسي ختموا لائحتهم بهذه الكلمات الخالدة: «هذا وإننا لنعلن من جديد تعلقنا الكامل بالعرش المفدى، معبرين عن صحة عزمنا لمواصلة الكفاح حتى النصر النهائي، متيقنين من أن نهاية هذا العسف والظلم والقمع موقوفة على تقديم نفوسنا ضحايا وقربانا على مصلحة الوطن العليا.»
عن المعتقلين
محمد بالطيب مدير جريدة «لواء الحرية» (18) المحاكم العسكرية
Unknown page