وتحرك الساحل، وهو المعروف بقوته وثباته ونظامه، وهو معقل من أعظم معاقل الوطنية، وقامت السلطات الفرنسية على الفور بمناورة تقصد من ورائها التهويل والتهويش لإنزال الرعب في قلوب المدنيين الفرنسيين؛ لكي تتمكن من إنزال أشد القمع على التونسيين، فقد أمرت جميع العائلات بالجلاء عن «الساحل»، وقالت جريدة «ليموند» في 25 / 1 / 1952: «لقد وقع إجلاء جميع العائلات والأفراد الفرنسيين عن القرى والمدن بالساحل ونقلوا كلهم إلى مدينة سوسة.» (3-5) سوسة
عم القلق وساد الاضطراب، وكان الجو ملبدا، والحزم ظاهرا على وجوه التونسيين، وتجددت الاجتماعات والهمسات يوم إلقاء القبض على الزعماء (18 / 1 / 1952).
ورجع نواب المؤتمر يحملون قراره في المطالبة بالاستقلال.
وفي يوم 21 / 1 / 1952 أتي عدد وافر من الوطنيين من القرى المجاورة، وكانت قوات البوليس توقفهم في الطريق، وتفتشهم، وتهينهم إهانات، وتجبرهم على المرور السريع، وتمنعهم من السير في بعض الشوارع، وأصبح رئيس مركز البوليس وهو رئيس المحافظة بتلك الجهة كلها يتحدى الشبان برفقة أعوانه فيجدد مأساة ماطر؛ ولما رأى خيبته فقد أعصابه والتجأ إلى إلقاء القبض على شابين من المارة، ظنا منه أنها الشرارة المطلوبة، فأرسل الأستاذ جلول بن شريفة رئيس الجامعة الدستورية ثلاثة من الشبان المثقفين الممتازين المعروفين بحزمهم وتعقلهم، فتقابلوا مع رئيس مركز البوليس الفرنسي، وطلبوا منه إطلاق سراح المساجين الذين لم يرتكبوا أية مخالفة، إلا إذا اعتبر مرورهم في الشوارع مخالفة، وإذا بالبوليس يلقي عليهم القبض بدورهم ويسجنهم بسجن البوليس.
وتجمهر الوطنيون أمام نادي الحزب يترقبون سراح إخوانهم، فلما تحققوا ما وقع، تحركت مظاهرة تعد آلافا في نظام دقيق وهدوء كامل يتقدمها الأستاذ جلول بن شريفة الذي أوصى الوطنيين بالمحافظة على صفوفهم وتماسك أعصابهم، ولما وصلوا إلى الحي الأوروبي وجدوا سدا من قوات البوليس والجيش يمنعهم من المرور، فتقدم الأستاذ جلول وحده وطالب بسراح المسجونين قائلا: إن مسئولية ما عسى أن يقع تحمل كلها على رؤساء البوليس الذين اعتدوا على حرية الناس من غير حق، وإني أضمن السلم والهدوء إذا أطلق سراح المعتقلين ...
فأطلقوا؛ ورجعت الجماهير في نظامها، ولم يقع أي اضطراب، وهدأت النفوس.
قررت الجامعة الدستورية القيام بمظاهرة كبرى يوم 22 / 1 / 1952 لتسلم إلى العامل عريضة هذا نصها:
العريضة
إن أهالي سوسة المبلغين احتجاجهم اليوم، ليستنكرون موقف السلطات الفرنسية؛ من أجل الاضطهادات المسلطة على الشعب بغاية التعسف والإرهاق ببنزرت وفريفيل وماطر وباجة وغيرها، ويستنكرون المناورات التي تقوم بها السلطات الفرنسية ضد عاهل البلاد من وسائل الضغط في سبيل التحصيل منه على نكران قيام الحكومة التونسية برفع القضية إلى الاحتكام الدولي وطلب إقالة الوزارة محقا لآمال الأمة.
كما يستنكرون ضد السلطات الفرنسية بدون مبرر لإبعاد قادة وزعمائها الممثلين لكافة الشعب، وإنها أعمال تتنافى ومبادئ حقوق الإنسان.
Unknown page