51

وتوزر مدينة عتيقة، وأنشأ الرومان بالقرب من موضع بلدة الحدر مدينة وأرباضا لا تزال أطلالها تشاهد إلى الآن، ومنها قاعدة مئذنة المسجد وبئر وآثار أعمدة وبقايا قصور ... إلخ، ثم احتلها الوندال واستعادها الروم، وليس من شك أن الفاتحين الأول من العرب قد نهبوها، ثم سقطت في يدهم آخر الأمر في نهاية القرن السابع الميلادي، وكان على أهل المدينة أن يختاروا بين اثنين؛ إما الإسلام وإما الجلاء، ولعل الذين نزحوا عن المدينة كانوا قلة؛ لأن التجاني يرى أن أهل توزر من نسل الروم الذين كانوا في إفريقية عندما فتحها المسلمون.

ويظهر أن توزر كانت في القرون التالية في رخاء عظيم، ويتفق ابن حوقل - الذي يطلق على هذا الإقليم اسم قسطيلية - والبكري، والإدريسي في ذكر عظم تجارتها وكثرة نخيلها، ويذهب البكري إلى أن ألف حمل من التمر يخرج منها كل يوم.

ولم يخل تاريخ توزر من الحوادث الجسام، فقد خضع أهلها بالاسم لجميع الدول التي حكمت إفريقية، ولكنهم جاهدوا في المحافظة على استقلالهم، وظهرت عداوتهم للفاطميين من مناصرتهم للثائر أبي زيد، وفي أيام بني زيري حكمهم أمراؤهم من آل فرخان ثم من بني وطاس، وقد نهب علي بن غانية مدينتهم في عهد الموحدين، ثم استعادها الخليفة أبو يوسف وتخلصوا من حكم بني جعفر في نهاية القرن الثامن، واعترفوا في القرن الرابع عشر بإمارة ابن يملول، وقد تعذر على السلطان أبي العباس التخلص منه عام 1379م، وقد امتازوا في عهد خلفائه بالعصيان، وكثيرا ما أجبروا أمراء تونس على امتشاق الحسام لردهم إلى طاعتهم، واختل أمن المدينة بما كان ينشب بين الأهلين وقبائل العرب المجاورة من قتال، ولم يتغير حالها في العهد التركي إلا قليلا، ففي القرنين السابع عشر والثامن عشر، اشترك أهل توزر في عدة فتن، وكان البايات يلاقون مشقة كبيرة في جباية الضرائب، وزادت منازعات «الصف» في تعكير الأمن، وفي القرن التاسع عشر اقتتل اثنان من هؤلاء الصف، هما أولاد هدل والزبدة، واحتل كل منهما حيا من المدينة، واستعرت الحرب بينهما حتى نشر الاحتلال الفرنسي عام 1882م الأمن والطمأنينة في ربوعها.

Unknown page