بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

... الحمد لله ، وسلام على عباده الذين اصطفى ، هذا جزء سميته تحفة الكرام في أخبار الأهرام ، قال ابن عبد الحكيم في تاريخه : في زمن شداد بن عاد بنيت الأهرام ، كما ذكر عن بعض المحدثين ، ولم أجد عند أحد من أهل المعرفة من أهل مصر خبرا يثبت ، وفي ذلك يقول الشاعر :

حسرت عقول ذوي النهى الأهرام واستصغرت لعظيمها الأحلام

ملس منبقة البناء شواهق قصرت لغال دونهن سهام

لم أدر حين كبا التفكر دونها واستوهمت بعجيبها الأوهام

أقبور أملاك الأعاجم هن أم طل رمل كن أم أعلام

ما أحسب الأهرام إلا بنيت قبل الطوفان ؛ لأنها لو بنيت بعد الطوفان ؛ لكان علمها عند الناس .

Page 1

Page 2

... وقال جماعة من أهل التاريخ : الذي بنى الأهرام سوريد بن سلهوق (¬1) ، وكان قبل الطوفان بثلاثمائة سنة ، وسبب ذلك أنه رأى في منامه كأن الأرض انقلبت بأهلها ، وكأن الناس هاربون على وجوههم ، وكأن الكواكب تساقطت ، ويصدم بعضها بعضا بأصوات هائلة ؛ فأغمه ذلك ، وكتمه ، ثم رأى بعد ذلك كأن الكواكب الثابتة نزلت إلى الأرض في صور طيور بيض ، وكأنها تخطف الناس ، وتلقيهم من جبلين عظيمين ، وكأن الجبلين انطبقا عليهم ، وكأن الكواكب النيرة مظلمة ؛ فانتبه مرعوبا ، فجمع رؤوس الكهنة من جميع أعمال مصر ، وكانوا مائة وثلاثين كاهنا ، وكبيرهم يقال له أفليمون ، فقص عليهم الرؤيا ، فأخذوا [ في ] (¬2) ارتفاع الكواكب، وبالغوا في / استقصاء ذلك ، فأخبروا بأمرالطوفان 2أ قال : أويلحق أرضنا هذا ؟ قالوا : نعم ، وتخرب ، وتبقى عدة سنين ، فأمر عند ذلك ببناء الأهرام ، وأمر بأن يعمل لها مسارب ، يدخل منها النيل إلى مكان بعينه ، ثم يفيض إلى مواضع من أرض المغرب ، وأرض الصعيد ، وملأها طلسمات ، وعجائب ، وأموالا وخزائن ، وغير ذلك ، وزبر فيها جميع ما قالته الحكماء ، وجميع العلوم النافعة الغامضة ، والنواميس ، وأصناف العقاقير ومنافعها ومضارها ، وعلم الطلسمات ، والحساب ، والهندسة ، والطب ، وكل ذلك مفسر لمن يعرف كتابتهم ولغاتهم ، فلما أمر ببنائها قطعوا الاسطوانات العظام ، والبلاطات الهائلة ، وأحضروا الصخور من ناحية أسوان، فبنى بها أساس الأهرام الثلاثة ، وشدها بالرصاص والحديد ، وجعل أبوابها تحت الأرض أربعين ذراعا ، وجعل ارتفاع كل واحد مائتي ذراع بالملكي ، وهي خمسمائة ذراع بذراعنا الآن ، وجعل ضلع كل واحد من جميع جهاته مائة ذراع ، وكان ابتدأ بناءها في طالع سعيد ، فلما فرغ من بنائها كساها ديباجا ملونا من فوق إلى أسفل، وعمل لها عيدا أحضر فيه أهل مملكته كلهم، ثم عمل في الهرم الغربي ثلاثين مخزنا مملوءة بالأموال الجمة، والألات، والتماثيل المعمولة من الجواهر النفيسة، وآلات الحديد الفاخرة، والسلاح الذي لا يصدأ، والزجاج الذي ينطوي، ولا ينكسر، والطلسمات الغريبة، وأصناف العقاقير المفردة والمؤلفة، والسموم القاتلة، وغير ذلك / وجعل في الهرم الشرقي 2 ب أصناف القباب الفلكية، والكواكب، وما عمل أجداده من القباب والتماثيل والدخن التي يتقرب بها إليها ومصافحها، وجعل في الهرم الملون (¬1) أخبار الكهنة في توابيت من صوان أسود، ومع كل كاهن مصفحة، وفيها عجائب صنعته، وسيرته وعمله، وما عمل في وقته، وما كان، وما يكون من [أول] (¬2) الزمان إلى آخره، وجعل لكل هرم خازنا، فخازن الهرم الغربي صنم من حجر صوان واقف، ومعه شبه حربة، وعلى رأسه حية مطوقة من قرب منه وثبت عليه من ناحية قصده، وطوقت على عنقه فتقتله، ثم تعود إلى مكانها، وجعل خازن الهرم الشرقي صنما من جزع أسود، وله عينان براقتان، وهو جالس على كرسي، ومعه شبه حربة إذا نظر إليه ناظر سمع من جهته صوتا يفزع قلبه، فيخر على وجهه، ولا يبرح حتى يموت، وجعل خازن الهرم الملون صنما من حجر البهت على قاعدة، من نظر إليه اجتذبه الصنم حتى يلصق به، ولا يفارقه حتى يموت.

وذكر القبط في كتبهم أن عليها كتابة منقوشة، تفسيرها بالعربية: أنا سوريد الملك، بنيت الأهرام في وقت كذا وكذا، وتممت بناءها في ست سنين، فمن أتى بعدي، وزعم أنه مثلي فليهدمها في ستمائة سنة، وقد علم أن الهدم أيسر من البناء، وكسوتها عند فراغها الديباج، فليكسها الحصر.

Page 3

.. ولما دخل الخليفة المأمون مصر، ورأى الأهرام أحب أن يعلم ما فيها، فأراد فتحها، فقيل له: إنك لا تقدر على ذلك، فقال: لا بد من فتح شيء منها، / ففتحت له الثلمة المفتوحة الأن بنار توقد، وخل يرش، وحدادين 3 أيسقون الحديد ويحدونه (¬1)، ومنجنيقات، يرمى بها، وأنفق عليها مالا عظيما، حتى انفتحت، فوجد عرض الحائط عشرين ذراعا، فلما انتهوا إلى آخر الحائط، وجدوا خلف الثقب مطهرة من زبرجد أخضر فيها ألف دينار، وزن كل دينار أوقية من أواقينا، فتعجبوا من ذلك، ولم يعرفوا معناه، فقال المأمون: ارفعوا إلي حساب ما أنفقتم على فتحها، فرفعوه؛ فإذا هو قدر الذي وجدوه، لا يزيد ولا ينقص، ووجدوا داخله بئر مربعة في تربيعها [أربعة] (¬2) أبواب، يفضي كل باب منها إلى بيت فيه أموات بأكفانهم، ووجدوا في رأس الهرم بيتا فيه حوض من الصخر، وفيه صنم كالآدمي من الدهنج (¬3)، وفي وسطه إنسان عليه درع من ذهب، مرصع بالجواهر، وعلى صدره سيف لا قيمة له، وعند رأسه حجر ياقوت كالبيضة، ضوؤه كضوء النهار، وعليه كتابة بقلم الطير، لا يعلم أحد في الدنيا ما هي، ولما فتحه المأمون أقام الناس سنين يدخلونه، وينزلون [من الزلاقة التي] (¬4) فيه [فمنهم من يسلم، ومنهم من يموت] (¬5).

وعليهما (¬6) جميع الأقلام السبعة: اليونانية، والعبرانية، والسريانية، والسندية والحميرية والرومية والفارسية.

Page 4

.. وحكى من دخل الهرم أنه وجد فيه قبرا، وأن فيه مهالك، وربما خرج الإنسان في سراديب إلى الفيوم.

... وحكى بعض شيوخ مصر أن بعض من يعرف لسان اليونانية حل بعض الأقلام التي عليها ' فإذا هي: (بنى هذا الهرمان، والنسرالواقع في السرطان). قال: / ومن ذلك الوقت إلى زمن نبينا صلى الله عليه وسلم ستة وثلاثون 3 ب

ألف سنة، وقيل: اثنان وسبعون ألفا.

... ولما دخل أحمد بن طولون [مصر، حفر على أبواب] (¬1) الأهرام فوجدوا في الحفر قطعة مرجان مكتوب عليها سطور باليونانية، فأحضر من يعرف ذلك القلم، فإذا هي أبيات شعر، فترجمت، فكان فيها:

أنا من بنى الأهرام في مصر كلها ومالكها قدما بها والمقدم

تركت بها آثار علمي وحكمتي على الدهر لا تبلى ولا تتثلم

وفيها كنوز جمة وعجائب وللدهر لين مرة وتهجم

وفيها علومي كلها غير أنني أرى قبل هذا أن أموت فتعلم

ستفتح أقفالي وتبدو عجائبي وفي ليلة في آخر الدهر تنجم

ثمان وتسع واثنتان وأربع وسبعون من بعد المئين فتسلم

ومن بعد هذا جزء تسعين برهة وتلقى البرابي صخرها وتهدم

تدبر فعالي في صخور قطعتها ستبقى وأفنى قبلها ثم تعدم

فجمع ابن طولون الحكماء وأمرهم بحساب هذه المدة، فلم يقدروا على تحقيق ذلك، فأيس من فتحها.

Page 5