278

Tuhfat al-Asmāʿ waʾl-Abṣār

تحفة الأسماع والأبصار

ثم عدنا إلى حديث أيام إقامتنا، وما كنا عليه في خلالها[96/ب] من النجدة والصلابة وما ألقاه الله عز وجل في قلوبهم من الجلالة والمهابة، إظهارا لهذا الدين على ساير الأديان، وإكراما لأهله بما أظهره لهم من عظيم السلطان، وكم أعد من الأشياء التي يحاولون أن يدركوها منا فيظهر لهم عجزهم، ويهون على ذلك عزهم، ولا يمكن أن يقال أنهم يتقاصرون إكراما لنا، فقد عرفنا من حالهم خلاف ذلك، وإنما هممهم قاصرة، فإن أحدهم قد يرى بالآخر منهم ما يقتضي منه طلب النصرة له، والدفع عنه فيحيد عنه جانبا ويولى عنه هاربا ولا يلوى عليه، ولا يلتفت إليه، ولا أن يقال أيضا: إن ذلك لأجل قوة معنا ندفعهم بها، فذلك مما لايقال، على معدود من صريح المحال فلم يبق إلا أن ذلك من فضل الله علينا، وتشريفه لدينا، فلقد كان في بعض الأيام، واتفق أن امرأة من المسلمين استحوذ عليها الشيطان، وزين لها الكفر على الإيمان، فارتدت وتنصرت، ولها ابنتان لرجل مسلم من أهل مسوع تزوج تلك المرأة هنالك، فاولدها هاتين الابنتين، ولهما أيضا خالة أخت هذه المرأة المرتدة، فهربت بهما خالتهما، ووضعتهما في بيت رجل من أصحابنا الذي هو نازل فيه، فجاءت أمهما التي ارتدت عن دين الإسلام بجماعة من رجال النصارى، ونحو اثنى عشر رجل من كبارهم وأشرافهم، فلما انتهوا إلى باب ذلك البيت الذي فيه ذلك الرجل من أصحابنا، خرج إليهم وحده منفردا يريد أن يخاطبهم بما يليق من الكلام، وتحسن محاورتهم في ذلك المقام؛ إلا أنه استصحب سيفه في يده، فما هو إلا أن رأوه خارجا إليهم فولوا ظهورهم هاربين، يشتدون عدوا شديدا، وخطوا مديدا، ولما علمنا بذلك أعتقدنا أن مثل هذا لا يسكتون عنه، فأمرنا بإدخال هاتين الابنتين في البيت الذي نحن فيه، وانتظرنا ما يجيء إلينا في شأنهما من الملك أو من بعض وزرائه، فلم يذكر لنا من ذلك شيء، وقد شاع خبر تلك القضية في مجالسهم وتحدثوا بها عند رؤسائهم، وأمرنا بمصير هاتين الابنتين إلى أبيهما إلى بندر مسوع، على يد الأمير عبدالوهاب رسول باشا الأتراك، صاحب سواكن المقدم ذكره، والحمد الله الذي أعزنا بدين الإسلام عن ساير الأديان، وشرفنا بشرفه السديد الأركان، الباذخ البنيان، وهو المسؤل أن يختم لنا رضوانه، ويشملنا بعظيم فضله وإحسانه، بحق محمد وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

وبهذا يتم ما أردنا ذكره أيام اقامتنا بحضرة الملك، بعد تمام تسعة شهور ألقى سبحانه وجل في قلبه الإذن لنا على تلك الشريطة[97/أ] التي ذكرناها، وأمر معنا ثلاثة من كبار أهل حضرته يسيرون بنا في بلاده للقيام بما نحتاجه من الضيافة المحتومة، ثم توجهنا من حضرة الملك في آخر شهر القعدة الحرام من عام ثمان وخمسين وألف سنة.

Page 414