لقد ذكرنا ما حصل من الاختلاف فيما بين عذر، ثم في بعض العصيمات، ثم بلاد بني عريان من أعمال المير وطريق حيدان، فإنها كثرت فيهم المفاسد وظهور المنكرات وقطعوا السبيل، فأرسل عليهم الإمام -عليه السلام- عسكرا أميرهم الفقيه المجاهد محمد بن علي بن جميل فأتاهم من قبل المشرق ومن وجهة الهيجة من بلاد أبي زيد عسكرا أيضا عليهم [........] من جهة المغرب، فأوقعوا فيهم وانتهبوا أنعامهم وقتلوا منهم وعادوا بالغنائم الواسعة حتى ملئت شهارة وحولها[وبلغ ثمن الرأس البقر الذي بعشرين كبيرا] أربعة دراهم، والشاة الواحدة درهم واحد، فاستقاموا بعدها، وتركوا الفساد، وأمنت السبل، وتسمى[هذه الغزوة] غزوة ذو غيثان، ومن ذلك وقعة في عذر ولعلها قبل الأولى فإن الإمام -عليه السلام- راسلهم إلى الانقياد، فجمحوا وعاملهم بالرفق فطمعوا، فأرسل عليهم عسكرا فانتهبوا أنعامهم وأخذوا منهم أشرافا، فاستقاموا بعدها وانتهوا عما كانوا عليه وتابوا، وكان أميرهم الحاج المجاهد سرور بن عبدالله بن مولى مولانا الحسن وتسمى غزوة درب الحجر، وكان هذا درب الحجر مخزانا لذو سلاب ، وكان رأس الفساد في رجل يسمى ابن عليا من ذو منصور قد انتهى فساده إلى مكة المشرفة، ووصلت مطالعة الشريف الجليل زيد بن محسن -أيده الله- فيما أخبرني من أجله الفقيه علي بن قاسم الملك الأهنومي وفاة المذكور هربا، ثم وصل إلى الإمام -عليه السلام- بأمان، وأظهر توبة، واستحلفه الإمام -عليه السلام- أن لا يعود، فلما وصل خارج شهارة سأله بعض من يعرف أمره ما فعلت فقال: أعطيته من رأس أصابعي يريد أرضيته باليمين، وأنا عايد لحالي الأول، فأصبح ثاني ذلك اليوم أو ثالثه ميتا فجأة، وأراح الله منه البلاد والعباد، وبعد أن وطأهم العسكر ،وأخذوا منهم رهاين صلحوا، ثم إنه -عليه السلام- خرج بعدها إلى جبل ذري، ثم إلى جانب عذر، وزار الأمير الشهير مجد الدين يحيى بن الأمير الداعي إلى الله بدر الدين -عليه السلام- إلى الخموس وذلك في شهر[.....] من عام[..........] ثم إنه تعلق بجبال العصيمات بكثرة عسكره غير أنهم منتشرين على صفة الطاغين في البلاد، فارتاع لذلك[66/ب] العصيمات، وعرفوا أنه -عليه السلام- قاصدا لهم، فأقبلوا إليه فلاذوا به وتبركوا برؤيته والإحتكام له، وأضافوه وأكرموا من لحق به، ولقد أخبرني من شهد ذلك أنه صار للرجل الواحد رأسا من الغنم، ثم خرج من بلادهم إلى حوث.
ومما أخبرني به -صلوات الله عليه- في معرض ذكر الظنون وأنها تخطي في غالبها بأن قال: إنه كان بلغه وهو في تعز العدنية في أيام أخيه مولانا المؤيد بالله -عليه السلام- بعض المنكرات وذكر حديثا طويلا، أفضى إلى أن غار إلى موضع من بلاد السلمي ولحق العسكر ارسالا . ولما عاد في الليل وقد لحقه ومن معه تعب، وكان ممن معه من العسكر قوم من العصيمات فذكروا معقلا في بلادهم يسمى كوكب، فقال قائل منهم: ذلك موضع لم تصله الدولة مذ كان، فقال -عليه السلام-: إن شاء الله نطلعه ونأخذ الحق من أهله.
Page 314