ولما انهزم الباقون إلى خنفر وقد عرف مولانا الصفي[59/ب] -أيده الله- الطريق ومواضع غلبهم فيها أعمل فيهم الإقدام المعروف، والبسالة التي لا تجارى، واستعان الله سبحانه وتعالى، وعبأ راياته وخيله وسرى في الليل حتى أصبح في مكان قريبا من أبين يسمى محل الشيخ، وبلغه الخبر بهرب هذا الأمير، فتجرد بنجائب خيله وفرسانه، ولحقه قافيا أثره إلى مواضع قد بلغه أن المذكور فيها، وأبقى أمراء العسكر عليهم وتشدد عليهم في البقاء في موضعهم حتى يأذن لهم، وقد خاف أن يدخل العسكر المدينة فيتفرقوا ولا يأمن الكرة عليهم، ولما حاذى خنفر إلى جهة المشرق صح له أن الأمير قد هرب في الليل وعرف أنه قد فاته، وأن جموعا باقية في خنفر. ثم لما ظهر مولانا أحمد قصدوه بحرب شديد وكانوا كثرة، فأرسل إلى عسكره وهم في الموضع الأول ليبادروا الغارة، وكان ذلك من التدبير النافع مع نصر الله العزيز وحفظه الحريز فإنهم لو كانوا قد تقدموا لما تمكن من جمعهم للحملة، ولما اجتمعوا به حمل بهم وهزم الله عدوهم، ثم إنهم قاتلوا في البيوت والمواضع المرتفعة، فكان البغاة في الظل وعندهم الماء والمجاهدون في السموم ولا ماء معهم، فصبروا ومنحهم الله النصر، فهزموا أولئك وأخرجوهم من البلد وقتلوا منهم زهاء من ثلاثمائة.
وأخبرني من شهد ذلك أن مولانا أحمد وقف للعسكر الذين قطعوا الرؤوس فما زالوا يطرحونها بين يديه حتى قابلت الرؤوس فرسه، ثم انتقل إلى موضع آخر فكان كذلك وغنم الناس ما لم يحتسبوا، ومنهم من ظفر بخزائن من المال ، ومنهم من ظفر بسلاح وفضة، وتقدم مولانا أحمد -حفظه الله-[إلى] بيت الأمير المذكور وقبض] ما فيه من الخزائن بعد أن جمع محارمه إلى موضع وجعل عليهم ثقاته معظمين مكرمين وجعل معهم خدمهم، ثم أرسل معهم بعد ذلك الشيخ (الريس) المجاهد حسن بن الحاج أحمد بن عواض الأسدي في قوم فسلموا بندر عدن بعد أن حاصروا رتبة فيه من أهل يافع، فأقام مولانا أحمد في أبين أياما ينادي بأمانهم وقد طاروا إلى جهات متفرقة، وكذلك الأمير المذكور قد صار في يافع، وطمع في غارة منهم وهيهات أن يقوى على أكبر مما كان فعل.
Page 292