83

Tiraz Li Asrar

الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز

Publisher

المكتبة العنصرية

Edition Number

الأولى

Publication Year

١٤٢٣ هـ

Publisher Location

بيروت

الضرب الثانى الأخبار النبوية ، فإن كلامه ﷺ وإن كان نازلا عن فصاحة القرآن وبلاغته- في الطبقة العليا بحيث لا يدانيه كلام، ولا يقاربه وإن انتظم أى انتظام، ولنورد من كلامه أمثلة ثلاثة. المثال الأول فى المواعظ والخطب قال ﷺ «لا تكونوا ممن اختدعته العاجلة، وغرته الأمنيّة، واستهوته الخدعة، فركن إلى دار سريعة الزوال، وشيكة الانتقال، إنه لم يبق من دنياكم هذه فى جنب ما مضى إلا كإناخة راكب، أو صر حالب، فعلام تفرحون، وماذا تنتظرون؟ فكأنكم بما قد أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن، وبما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل، فخذوا الأهبة لأزوف النّقلة، وأعدوا الزاد لقرب الرحلة، واعلموا أن كل امرىء على ما قدّم قادم، وعلى ما خلف نادم» . فليعمل الناظر نظره فى هذا الكلام، فما أسلس ألفاظه على الألسنة، وما أوقع معانيه فى الأفئدة، وما احتوى عليه من التنبيه البالغ، والوعظ الزاجر، والنصيحة النافعة، فصدره بالتحذير أولا عما يعرض من مصائب الدنيا من الانخداع والغرور والاستهواء وعقبه ثانيا بالتحذير عن الركون إلى الدنيا، ونبه بألطف عبارة وأوجزها على زوالها وانقطاعها، وأردفه ثالثا بالحث على عمل الآخرة وأخذ الأهبة للزاد، ونبه على سرعة زوالها وانقطاعها، وختمه بتحقق الحال فى الإقدام على ما فعله من خير وشر، وأنه نادم لا محالة على ما خلفه من الدنيا، وأنه غير نافع ولا مجد، ومن عجيب أمره أنه مع إغراقه فى البلاغة فإنه قد اشتمل على أنواع أربعة من علم البديع: أولها «السجع» فى قوله ﵇ العاجلة، والأمنية، والخدعة، والزوال، والانتقال. «وثانيها»: التجنيس فى قوله ﵇ كإناخة راكب، أو صر حالب. «وثالثها»: الاشتقاق، فى قوله: كل امرىء على ما قدم قادم، ومنه قوله تعالى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: ٣٠] . «ورابعها»: الائتلاف وهو أن تكون الألفاظ لائقة بالمقصود، فحيث كان المعنى فخما، فاللفظ يكون جزلا كقوله «لا تكونوا كمن اختدعته العاجلة، وغرته الأمنية، واستهوته الخدعة» . وإن كان المعنى رشيقا، كان اللفظ رقيقا سهلا كقوله ﵇ «فكأنكم بما قد أصبحتم فيه من الدنيا لم يكن، وبما تصيرون إليه من الآخرة لم يزل» وسنورد فى فن البيان ما يتعلق بعلم البديع بمعونة الله تعالى.

1 / 85