126

Tibyan

التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي

تفسير التبيان ج1

في ذلك خلق الارض قبل السماء غير أنه لم يدحها فلما خلق السماء دحاها بعد ذلك ودحوها: بسطها، ومدها ومنه ادحية لنعام ، سميت بذلك، لانها تبسطها لتبيض فيها ويجوز أن لا يكون معنى (ثم) و(بعد) في هذه الآيات الترتب في الاوقات والتقدم والتأخر فيها، انما هو على جهة تعداد النعم والاذكار لها كما يقول القائل لصاحبه: أليس قد اعطيتك، ثم حملتك، ثم رفعت في منزلتك، ثم بعد ذلك كله خلطتك بنفسي وفعلت بك وفعلت وربما يكون بعض الذى ذكره في اللفظ متقدما، كان متأخرا، لان المراد لم يكن الاخبار عن اوقات الفعل، وانما المراد الذكر والتنبيه عليها فان قيل أي نسبة بين قوله: (ثم استوى إلى السماء) وبين قوله: (وهو بكل شئ عليم) وكان يجب ان يقول: (وهو على كل شئ قدير) قيل انما جاز ذلك، لان الله لما وصف نفسه بما يدل على القدرة والاستيلاء وصل ذلك بما يدل على العلم، إذ بهما يصح وقوع الفعل على وجه الاحكام، والاتقان وايضا اراد أن يبين انه عالم بما يؤول اليه حاله، وحال المنعم به عليه، فيستحق بذلك النعمة.

وتلخيص معنى الآية ان الله تعالى هو الذى خلق لكم الارض وما فيها من الجبال والمياه والاشجار، وما قدر فيها من الاقوات، ثم قضى خلق السماء بعد خلقه الارض ومعنى استوى أي عمد لها وقصد إلى خلقها، وسواها سبع سماوات فبناهن وركبهن كذلك ونظير ذلك قوله: (أإنكم لتكفرون بالذي خلق الارض في يومين وتجعلون له اندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها اقواتها في اربعة ايام)(1) عني يومين بعد اليومين الاولين حتى صار بذلك اربعة ايام ثم استوى إلى السماء فمعنى قوله: (خلق لكم ما في الارض جميعا) هو الذي بينه بقوله: (وجعل فيهارواسي من فوقها. الآية) وجعل ذكره لذلك في الآية الاولى تأكيد الحجة على عباده لئلا يكفروا به، ولان يؤمنوا به ويشكروه.

وقوله: (كيف تكفرون) يدل انه تعالى ما اراد الكفر

---

(1) سورة حم السجدة: آية 9 و10 تفسير التبيان ج1

Page 125