Tibr Masbuk
التبر المسبوك في نصيحة الملوك
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٠٩ هـ - ١٩٨٨ م
Publisher Location
بيروت - لبنان
وأتى باب دار قوم وطلب ماء ليشرب فخرجت صبية فأبصرته ثم عادت إلى البيت فدقت قصبة واحدة من قصب السكر ومزجت ما عصرته منها بالماء ووضعته في القدح فرأى فيه ترابًا وقذى فشرب منه قليلًا قليلًا حتى انتهى لآخره وقال للصبية (سادناس) أي نعم الماء لولا قذى كدره فقالت (يا شرهيك) أنا عمدًا ألقيت فيه القذى فقال ولم فعلت ذاك فقالت رأيتك شديد العطش ولو لم يكن فيه القذى لشربته نوبة واحدة وقد يضرك شربه فتعجب أنو شروان من كلامها وعلم أنها قالته عن ذكاء وفطنة. ثم قال لها من كم عصرت ذلك الماء فقالت من قصبة واحدة فتعجب أنو شروان وأضمر في نفسه أنع إذا عاد يأمر بزيادة الخراج على تلك الناحية. ثم عاد إلى تلك الناحية بعد وقت آخر واجتاز على ذلك الباب منفردًا وطلب ماء فخرجت إليه تلك الصبية بعينها فعرفته ثم عادت لتخرج الماء فأبطأت عليه فأستعجلها أنو شروان وقال لأي شيء أبطأت قالت لأنه لم يخرج من قصبة واحدة قدر حاجتك وقد دققت ثلاث قصبات ولم يخرج منها قدر ما كان يخرج من قصبة واحدة فقال أنو شروان وما سبب ذلك العجز؟ فقالت سببه تغير نية السلطان فقد قيل أنه إذا تغيرت نية السلطان على قوم طارت بركتهم، وقلت خيراتهم فضحك أنو شروان وعجب من قول الصبية وأزال من نفسه ما كان أضمره لهم وتزوج الصبية لحسن ذكائها وفصاحة كلامها.
حكمة: يقال أن الصادقين من الناس ثلاثة الأنبياء والملوك والمجانين وقيل السكر جنون وإن المجنون يخاف من السكران لأن المجنون سكره باطن والسكران جنونه ظاهر والويل لمن يبقى في سكر الغفلة دائمًا كما قال الشاعر:
من أسكرَتُه الخمرُ في عقلِه ... ليس عليهِ إن صحاَ من خجلِ
ومن يكُن بالمُلكِ ذا سكرة ... يصح إذا ما الملكُ عنه انتقلَ
والقليل جدًا من كان من سكر سلطنته صاحيًا وكان المقدم على أعماله ثقة نصوحًا معينًا. وعلامة سكر السلطان أن يسلم وزارته إلى محتاج ومعوز ثم
1 / 68