Tibb Nabawi
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Publisher
دار الهلال
Edition Number
-
Publisher Location
بيروت
فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ ﷺ فِي عِلَاجِ ذَاتِ الْجَنْبِ
رَوَى الترمذي فِي «جَامِعِهِ» مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:
«تَدَاوَوْا مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ وَالزَّيْتِ» «١» .
وَذَاتُ الْجَنْبِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ نَوْعَانِ: حَقِيقِيٌّ وَغَيْرُ حَقِيقِيٍّ. فالحقيقي: وره حَارٌّ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ. وَغَيْرُ الْحَقِيقِيِّ: أَلَمٌ يُشْبِهُهُ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ عَنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ مُؤْذِيَةٍ تَحْتَقِنُ بَيْنَ الصَّفَاقَاتِ، فَتُحْدِثُ وَجَعًا قَرِيبًا مِنْ وَجَعِ ذَاتِ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ، إِلَّا أَنَّ الْوَجَعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَمْدُودٌ، وَفِي الْحَقِيقِيِّ نَاخِسٌ.
قَالَ صَاحِبُ «الْقَانُونِ»: قَدْ يَعْرِضُ فِي الْجَنْبِ، وَالصَّفَاقَاتِ، وَالْعَضَلِ الَّتِي فِي الصَّدْرِ، وَالْأَضْلَاعِ، وَنَوَاحِيهَا أَوْرَامٌ مُؤْذِيَةٌ جِدًّا مُوجِعَةٌ، تُسَمَّى شَوْصَةً وَبِرْسَامًا، وَذَاتَ الْجَنْبِ. وَقَدْ تَكُونُ أَيْضًا أَوْجَاعًا فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَيْسَتْ مِنْ وَرَمٍ، وَلَكِنْ مِنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ، فَيُظَنَّ أَنَّهَا مِنْ هَذِهِ الْعِلَّةِ، وَلَا تَكُونُ مِنْهَا. قَالَ:
وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ وَجَعٍ فِي الْجَنْبِ قَدْ يُسَمَّى ذَاتَ الْجَنْبِ اشْتِقَاقًا مِنْ مَكَانِ الْأَلَمِ، لِأَنَّ مَعْنَى ذَاتِ الجنب صاحبة الجنب، والغرض به ها هنا وَجَعُ الْجَنْبِ، فَإِذَا عَرَضَ فِي الْجَنْبِ أَلَمٌ عَنْ أَيِّ سَبَبٍ كَانَ نُسِبَ إِلَيْهِ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ كَلَامُ بُقْرَاطَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ أَصْحَابَ ذَاتِ الْجَنْبِ يَنْتَفِعُونَ بِالْحَمَامِ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ كُلُّ مَنْ بِهِ وَجَعُ جَنْبٍ، أَوْ وَجَعُ رِئَةٍ مِنْ سُوءِ مِزَاجٍ، أَوْ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ، أَوْ لَذَّاعَةٍ مِنْ غَيْرِ وَرَمٍ وَلَا حُمَّى.
قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: وَأَمَّا مَعْنَى ذَاتِ الْجَنْبِ فِي لُغَةِ الْيُونَانِ، فَهُوَ وَرَمُ الْجَنْبِ الْحَارُّ، وَكَذَلِكَ وَرَمُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَاتَ الْجَنْبِ وَرَمَ ذَلِكَ الْعُضْوِ إِذَا كَانَ وَرَمًا حَارًّا فَقَطْ.
وَيَلْزَمُ ذَاتَ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ خَمْسَةُ أَعْرَاضٍ: وَهِيَ الْحُمَّى وَالسُّعَالُ، وَالْوَجَعُ النَّاخِسُ، وَضِيقُ النِّفَسِ، وَالنَّبْضُ الْمِنْشَارِيُّ.
وَالْعِلَاجُ الْمَوْجُودُ فِي الْحَدِيثِ، لَيْسَ هُوَ لِهَذَا الْقِسْمِ، لَكِنْ لِلْقِسْمِ الثَّانِي الْكَائِنِ عَنِ الرِّيحِ الْغَلِيظَةِ، فَإِنَّ الْقُسْطَ الْبَحْرِيَّ- وَهُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ على ما جاء
_________
(١) أخرجه الترمذي والإمام أحمد والحاكم في الطب. قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي
1 / 62