Tibb Nabawi
الطب النبوي لابن القيم - الفكر
Publisher
دار الهلال
Edition Number
-
Publisher Location
بيروت
وَالثَّانِي: وَقْتُ طُلُوعِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عَلَى الْعَالَمِ، بِمَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْقَمَرِ، وَهُوَ وَقْتُ تَصَرُّمِ فَصْلِ الرَّبِيعِ وَانْقِضَائِهِ، غَيْرَ أَنَّ الْفَسَادَ الْكَائِنَ عِنْدَ طُلُوعِهَا أَقَلُّ ضَرَرًا مِنَ الْفَسَادِ الْكَائِنِ عِنْدَ سُقُوطِهَا.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: مَا طَلَعَتِ الثُّرَيَّا، وَلَا نَأَتْ إِلَّا بِعَاهَةٍ فِي النَّاسِ وَالْإِبِلِ، وَغُرُوبُهَا أَعْوَهُ «١» مِنْ طُلُوعِهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ قَوْلٌ ثَالِثٌ- وَلَعَلَّهُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِهِ- أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّجْمِ: الثُّرَيَّا، وَبِالْعَاهَةِ: الْآفَةُ الَّتِي تَلْحَقُ الزُّرُوعَ وَالثِّمَارَ فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ وَصَدْرِ فَصْلِ الرَّبِيعِ، فَحَصَلَ الْأَمْنُ عَلَيْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الثُّرَيَّا فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ، وَلِذَلِكَ نَهَى ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَشِرَائِهَا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا. وَالْمَقْصُودُ: الْكَلَامُ عَلَى هَدْيِهِ ﷺ عِنْدَ وُقُوعِ الطَّاعُونِ.
فصل
وَقَدْ جَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ لِلْأُمَّةِ فِي نَهْيِهِ عَنِ الدُّخُولِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا، وَنَهْيِهِ عَنِ الْخُرُوجِ مِنْهَا بَعْدَ وُقُوعِهِ كَمَالَ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، فَإِنَّ فِي الدُّخُولِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ بِهَا تَعَرُّضًا لِلْبَلَاءِ، وَمُوَافَاةً لَهُ فِي مَحَلِّ سُلْطَانِهِ، وَإِعَانَةً لِلْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، بَلْ تَجَنُّبُ الدُّخُولِ إِلَى أَرْضِهِ مِنْ بَابِ الْحِمْيَةِ الَّتِي أَرْشَدَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِلَيْهَا، وَهِيَ حِمْيَةٌ عَنِ الْأَمْكِنَةِ، وَالْأَهْوِيَةِ الْمُؤْذِيَةِ.
وَأَمَّا نَهْيُهُ عَنِ الْخُرُوجِ مِنْ بَلَدِهِ، فَفِيهِ مَعْنَيَانِ:
أَحَدُهُمَا: حَمْلُ النُّفُوسِ عَلَى الثِّقَةِ بِاَللَّهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، والصبر على أقضيته، والرضى بِهَا.
وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ أَئِمَّةُ الطِّبِّ: أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُحْتَرِزٍ مِنَ الْوَبَاءِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ بَدَنِهِ الرُّطُوبَاتِ الْفَضْلِيَّةِ، وَيُقَلِّلَ الْغِذَاءَ، وَيَمِيلَ إِلَى التَّدْبِيرِ الْمُجَفِّفِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إِلَّا الرِّيَاضَةَ وَالْحَمَّامَ، فَإِنَّهُمَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُحْذَرَا، لِأَنَّ الْبَدَنَ لَا يَخْلُو غَالِبًا مِنْ فَضْلٍ رَدِيءٍ كَامِنٍ فِيهِ، فَتُثِيرُهُ الرِّيَاضَةُ وَالْحَمَّامُ، ويخلطانه بالكيموس الجيد، وذلك يجلب
_________
(١) أعوه: أشد عاهة وإصابة من: عاه الشيء: إذا أصابته عاهة
1 / 34