122

Tibb Nabawi

الطب النبوي لابن القيم - الفكر

Publisher

دار الهلال

Edition Number

-

Publisher Location

بيروت

حاسِدٍ إِذا حَسَدَ، فَكُلُّ عَائِنٍ حَاسِدٌ، وَلَيْسَ كُلُّ حَاسِدٍ عَائِنًا، فَلَمَّا كَانَ الْحَاسِدُ أَعَمَّ مِنَ الْعَائِنِ كَانَتِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنْهُ اسْتِعَاذَةً مِنَ الْعَائِنِ، وَهِيَ سِهَامٌ تَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ الْحَاسِدِ وَالْعَائِنِ نَحْوَ الْمَحْسُودِ وَالْمَعِينِ تُصِيبُهُ تَارَةً وَتُخْطِئُهُ تَارَةً، فَإِنْ صَادَفَتْهُ مَكْشُوفًا لَا وِقَايَةَ عَلَيْهِ، أَثَّرَتْ فِيهِ، وَلَا بُدَّ، وَإِنْ صَادَفَتْهُ حَذِرًا شَاكِيَ السِّلَاحِ لَا مَنْفَذَ فِيهِ لِلسِّهَامِ، لَمْ تُؤَثِّرْ فِيهِ، وَرُبَّمَا رُدَّتِ السِّهَامُ عَلَى صَاحِبِهَا، وَهَذَا بِمَثَابَةِ الرَّمْيِ الْحِسِّيِّ سَوَاءً فَهَذَا مِنَ النُّفُوسِ وَالْأَرْوَاحِ، وَذَاكَ مِنَ الْأَجْسَامِ وَالْأَشْبَاحِ. وَأَصْلُهُ مِنْ إِعْجَابِ الْعَائِنِ بِالشَّيْءِ، ثُمَّ تَتْبَعُهُ كَيْفِيَّةُ نَفْسِهِ الْخَبِيثَةِ، ثُمَّ تَسْتَعِينُ عَلَى تَنْفِيذِ سُمِّهَا بِنَظْرَةٍ إِلَى الْمَعِينِ، وَقَدْ يَعِينُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ، وَقَدْ يَعِينُ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ بَلْ بِطَبْعِهِ، وَهَذَا أَرْدَأُ مَا يَكُونُ مِنَ النَّوْعِ الْإِنْسَانِيِّ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ مَنْ عُرِفَ بِذَلِكَ حَبَسَهُ الْإِمَامُ، وَأَجْرَى لَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلَى الموت، وهذا هو الصواب قطعا. فَصْلٌ وَالْمَقْصُودُ: الْعِلَاجُ النَّبَوِيُّ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ، وَقَدْ رَوَى أبو داود فِي «سُنَنِهِ» عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: مَرَرْنَا بِسَيْلٍ، فَدَخَلْتُ، فَاغْتَسَلْتُ فِيهِ، فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا، فَنُمِيَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: «مُرُوا أبا ثابت يَتَعَوَّذُ»، قَالَ: فَقُلْتُ يَا سَيِّدِي! وَالرُّقَى صَالِحَةٌ؟ فَقَالَ «لَا رُقْيَةَ إِلَّا فِي نَفْسٍ، أَوْ حُمَةٍ أَوْ لَدْغَةٍ» «١» . وَالنَّفْسُ: الْعَيْنُ، يُقَالُ: أَصَابَتْ فُلَانًا نَفْسٌ، أَيْ عَيْنٌ. وَالنَّافِسُ الْعَائِنُ. وَاللَّدْغَةُ- بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ- وَهِيَ ضَرْبَةُ الْعَقْرَبِ وَنَحْوَهَا. فَمِنَ التَّعَوُّذَاتِ وَالرُّقَى الْإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَمِنْهَا التَّعَوُّذَاتُ النَّبَوِيَّةُ. نَحْوَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ.

(١) أخرجه أبو داود في الطب، وأخرجه الحاكم

1 / 124