They Ask You About Ramadan
يسألونك عن رمضان
Publisher
المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر
Edition Number
الأولى (أبوديس / بيت المقدس / فلسطين)
Publication Year
١٤٢٩هـ - ٢٠٠٨م
Publisher Location
القدس / أبوديس
Genres
يسألونك
عن
رمضان
تأليف
الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس
1 / 1
الطبعة الأولى
أبوديس / بيت المقدس / فلسطين
١٤٢٩هـ - ٢٠٠٨م
توزيع
المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر
القدس / أبوديس / شارع جامعة القدس
تلفون (٢٧٩١٣٦٥)
1 / 2
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 3
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
وبعد
فهذا كتاب عن شهر رمضان المبارك، ذكرت فيه أهم المسائل التي يطرحها الناس في هذا الشهر الفضيل من قضايا الصيام التي يحتاج لها عامة الناس، وفصلَّتُ الحديثَ عن هدي النبي ﷺ في الصيام عامة، وخصصت هديه ﷺ في شعبان، وبيَّنتُ أنه أكثر شهر صامه النبي ﷺ، ثم تكلمت على هديه ﷺ في رمضان، وأتبعت ذلك ببيان هدي النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان، وهديه ﷺ في العيد. ثم ذكرت ما يتعلق بهذا الشهر المبارك من أحكام أخرى كالأحكام الشرعية المتعلقة برؤية هلال رمضان، وبينت حكم الاستعانة بالحسابات الفلكية في ذلك، وتكلمت على أحكام الصيام التفصيلية، فذكرت مسائل النيات، وبداية يوم الصوم ونهايته، وفصلَّت الكلام على المفطرات، واخترت منهج المضيقين في المفطرات وعدم التوسع
1 / 5
فيها، لأن كثيرًا مما عدَّه الفقهاء من المفطرات لم يقم عليه دليل صحيح. ثم بينت أحكام قضاء الصوم، والخطأ والنسيان فيه، ثم تحدثت عن الصوم المندوب وما يتعلق به من أحكام. ثم تحدثت عن صلاة التروايح وبينت أن النبي ﷺ لم يحد عددًا معينًا لركعاتها، وأن الأمر فيه سعة، ثم ذكرت بعض أحكام الاعتكاف وأحكام زكاة الفطر، ثم فصلَّتُ الكلام على أحكام العيد، وذكرت المخالفات والبدع التي تحصل في العيد، ثم ختمت الكتاب بمسائل متفرقة فبينت حكم صوم الأطفال والبرامج التي تعرضها المحطات الفضائية في رمضان، وذكرت طائفة من الأحاديت المشتهرة في رمضان وغير ذلك من المسائل.
ونسأل الله ﷾ أن ينفعنا بما علَّمنا وأن يفقِّهنا في الدين، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، إنه سميع قريب.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة
أبوديس/ القدس المحتلة
صباح يوم الاثنين التاسع من شعبان ١٤٢٩هـ ... وفق الحادي عشر من آب ٢٠٠٨ م.
1 / 6
الهدي
النبوي
في الصيام
1 / 7
هدي النبي ﷺ في شهر شعبان
يقول السائل: كيف كان هدي النبي ﷺ في شهر شعبان، أفيدونا؟
الجواب: لا شك أن خير الهدي هدي سيدنا محمد ﷺ فهو أكمل الهدي، وعمله ﷺ خير العمل، وعلى كل مسلم أن يبذل وسعه وطاقته في الاقتداء برسول الله ﷺ، قال الله تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ سورة الأحزاب الآية ٢١.
وقد كان أعظم ما يميز هدي المصطفى ﷺ في شعبان هو الصيام حيث كان رسول الله ﷺ يصوم أكثر شعبان، بل إن شهر شعبان هو أكثر شهر صامه رسول الله ﷺ بعد رمضان فقد وردت أحاديث عن النبي ﷺ في ذلك منها:
عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول الله ﷺ يصوم حتى نقول لا يفطر ويفطر حتى نقول لا يصوم فما رأيت رسول الله ﷺ استكمل صيام شهرٍ إلا رمضان وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي سلمة أن عائشة ﵂ حدثته قالت: (لم يكن النبي ﷺ يصوم شهرًا أكثر من شعبان وكان يقول خذوا من الأعمال ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وأحب الصلاة إلى النبي ﷺ ما دووم عليه وإن قلّت وكان إذا صلى صلاة داوم عليها) رواه البخاري.
وعنها ﵂ قالت: (لم يكن النبي ﷺ يصوم أكثر من شعبان فإنه كان يصومه كله) رواه البخاري ومسلم. وفي رواية أخرى عنها ﵂ قالت: (ما كان يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان كان يصومه إلا قليلا ً)
1 / 9
رواه البخاري ومسلم. قال الإمام النووي [وقولها: (كان يصوم شعبان كله، كان يصومه إلا قليلًا) الثاني تفسير للأول، وبيان أن قولها كله أي غالبه، وقيل: كان يصومه كله في وقت، ويصوم بعضه في سنة أخرى، وقيل: كان يصوم تارة من أوله، وتارة من آخره، وتارة بينهما، وما يخلي منه شيئًا بلا صيام، لكن في سنين، وقيل: في تخصيص شعبان بكثرة الصوم لكونه ترفع فيه أعمال العباد، وقيل غير ذلك] شرح النووي على صحيح مسلم ٣/ ٢٢٣ - ٢٢٤.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [... إن صيام شعبان أفضل من صيام الأشهر الحرم. ويدل على ذلك ما خرجه الترمذي من حديث أنس ﵁، سئل النبي ﷺ أي الصيام أفضل بعد رمضان؟ قال: (شعبان تعظيمًا لرمضان) وفي إسناده مقال. وفي سنن ابن ماجة: (أن أسامة كان يصوم الأشهر الحرم فقال له رسول الله ﷺ (صم شوالًا) فترك الأشهر الحرم فكان يصوم شوالًا حتى مات. وفي إسناده إرسال، وقد روي من وجه آخر يعضده. فهذا نصٌ في تفضيل صيام شوال على صيام الأشهر الحرم، وإنما كان كذلك لأنه يلي رمضان من بعده، كما أن شعبان يليه من قبله، وشعبان أفضل لصيام النبي ﷺ له دون شوال. فإذا كان صيام شوال أفضل من الأشهر الحرم، فلأن يكون صوم شعبان أفضل بطريق الأولى. فظهر بهذا أن أفضل التطوع ما كان قريبًا من رمضان قبله وبعده، وذلك يلتحق بصيام رمضان لقربه منه، وتكون منزلته من الصيام بمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض قبلها وبعدها، فيلتحق بالفرائض في الفضل وهي تكملة لنقص الفرائض، وكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده. فكما أن السنن الرواتب أفضل من التطوع المطلق بالصلاة، فكذلك صيام ما قبل رمضان وبعده أفضل من صيام ما بعد منه] لطائف المعارف ص ٢٤٨ - ٢٤٩.
1 / 10
وقال بعض أهل العلم: الحكمة من صيام النبي ﷺ أكثر شعبان أن كثيرًا من الناس يغفلون عن الصيام في شعبان فكان ﷺ يصوم أكثره وقد ورد ذلك معللًا في حديث أسامة ﵁ قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر ما تصوم من شعبان؟ قال: (ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم) رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة.
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي معلقًا على حديث أسامة: [... أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، يشير إلى أنه لما اكتنفه شهران عظيمان الشهر الحرام وشهر الصيام اشتغل الناس بهما عنه، فصار مغفولًا عنه. وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه لأنه شهر حرام، وليس كذلك. وروى ابن وهب قال: حدثنا معاوية بن صالح عن أزهر بن سعد عن أبيه عن عائشة قالت: ذكر لرسول الله ناسٌ يصومون رجبًا، فقال: (فأين هم عن شعبان) وفي قوله: (يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان) إشارة إلى أن بعض ما يشتهر فضله من الأزمان أو الأماكن أو الأشخاص قد يكون غيره أفضل منه، إما مطلقًا أو لخصوصية فيه لا يتفطن لها أكثر الناس فيشتغلون بالمشهور عنه، ويُفَوِتون تحصيل فضيلة ما ليس بمشهور عندهم، وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك محبوب لله ﷿، كما كان طائفة من السلف، يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة ويقولون: هي ساعة غفلة، ولذلك فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه عن الذكر، وقد قال النبي ﷺ: (إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الليلة فكن)] لطائف المعارف ص ٢٥٠ - ٢٥١.
وهنا لا بد من الإشارة إلى حديث قد يتعارض مع ما ذكرنا وهو ما روي أن النبي ﷺ قال: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) رواه أصحاب السنن
1 / 11
الأربعة. فيجاب عنه من وجهين: الأول: إن الحديث ضعيف ضعفه الإمام أحمد وابن معين والبيهقي. الثاني: إن صح فيحمل النهي في الحديث على من لم يدخل تلك الأيام في صيام اعتاده قاله الحافظ ابن حجر. وقال الشوكاني: [ظاهر قوله ﷺ في حديث أسامة: (أن شعبان شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان أنه يستحب صوم رجب لأن الظاهر أن المراد أنهم يغفلون عن تعظيم شعبان بالصوم كما يعظمون رمضان ورجبًا به] نيل الأوطار ٤/ ٢٧٦.
وينبغي أن يعلم أنه يكره للمسلم أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين لئلا يختلط النفل بالفرض، أو حتى يستريح الصائم ليدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال: لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومًا فليصم ذلك اليوم) رواه البخاري. وأخيرًا أنبه على أن إحياء ليلة النصف من شعبان بدعة منكرة لا أصل له في الشرع وما روي أن رسول الله ﷺ قال: (من أحيا ليلتي العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب) قال ابن الجوزي: [هذا حديث لا يصح عن رسول الله ﷺ وفيه آفات ثم ذكر من آفاته مروان بن سالم قال فيه النسائي والدارقطني والأزدي متروك. العلل المتناهية ٢/ ٥٦٢. وقال الحافظ ابن حجر عنه: [ومروان هذا متهم بالكذب]. الإصابة ٥/ ٥٨٠. وقال الحافظ عنه في لسان الميزان: [هذا حديث منكر مرسل] ٤/ ٣٩١. وقال الذهبي في الميزان: [هذا حديث منكر مرسل] ٥/ ٣٧٢.
وخلاصة الأمر أنه كان من هدي النبي ﷺ صيام أكثر شهر شعبان.
- - -
1 / 12
هدي النبي ﷺ في رمضان
يقول السائل: كيف كان هدي النبي ﷺ في رمضان؟
الجواب: لا شك أن هدي النبي ﷺ في رمضان هو أكمل الهدي، وعمله ﷺ هو خير العمل، وعلى كل مسلم أن يبذل وسعه وطاقته في الاقتداء برسول الله ﷺ، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرا﴾ سورة الأحزاب الآية ٢١. وأبين هنا هدي سيدنا رسول الله ﷺ في رمضان كما صح عنه في دواوين السنة، وكما ذكره المحققون من أهل العلم، فمن المعلوم عند أهل العلم أن فرض صيام رمضان كان في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وقد صام النبي ﷺ تسع رمضانات. وكان هدي رسول الله ﷺ في أعلى درجات الكمال وأعظم تحصيل للمقصود وأسهله على النفوس كما قال العلامة ابن القيم في زاد المعاد ٢/ ٣٠.
فقد كان ﷺ يدخل في صوم رمضان برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد كما ثبت في الحديث عن ابن عمر ﵁ قال: (تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله ﷺ أني رأيته فصامه وأمر الناس بصيامه) رواه أبو داود وابن حبان وصححه ورواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
وإذا حالت دون رؤية الهلال غيوم أو قتر أو نحوهما أكمل عدة شعبان ثلاثين يومًا كما ثبت في الحديث عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين) رواه البخاري ومسلم.
فإذا ثبتت رؤية الهلال أو أكملت عدة شعبان ثلاثين يومًا فنصوم ويجب أن يعلم أن صوم رمضان عبادة جماعية لا يجوز لجماعة أو أحد أن ينفرد في بداية الصوم أو نهايته وإنما الصوم مع جماعة الناس فقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه
1 / 13
وسلم قال: الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون) رواه أبو داود والترمذي والبيهقي وهو حديث صحيح قال الإمام الترمذي: [وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنما معنى هذا: الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس] سنن الترمذي ٣/ ٨٠. فإذا ثبت دخول شهر رمضان فلا بد من تبييت نية الصيام كما ورد في الحديث عن حفصة ﵂ أن النبي ﷺ قال: (من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن خزيمة. وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/ ٤٦٥.
ومن المعلوم عند أهل العلم أن النية محلها القلب ولا علاقة للسان بها لذا فإن التلفظ بالنية بدعة مخالفة لهدي المصطفى ﷺ.
ومن هدي النبي ﷺ في رمضان السحور فقد صح في الحديث عن أنس ﵁ أن النبي ﷺ قال: (تسحروا فإن في السحور بركة) رواه البخاري ومسلم.
ومن السنَّة تأخير السحور وجعله قريبًا من وقت صلاة الفجر فقد ورد في الحديث عن أنس ﵁ عن زيد بن ثابت ﵁ أنه قال: (تسحرنا مع النبي ﷺ ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية) رواه البخاري ومسلم.
ومن هدي المصطفى ﷺ تعجيل الفطر فمن المعلوم أن الصوم ينتهي بحلول الليل كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ سورة البقرة الآية ١٨٧. والليل يبدأ بعد غروب الشمس مباشرة. وقد صح في الحديث أن النبي ﷺ قال: (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) رواه البخاري ومسلم.
1 / 14
وكان ﷺ يفطر قبل أن يصلي المغرب فقد جاء في الحديث عن أنس ﵁ قال: كان رسول الله ﷺ يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسواتٍ من ماء) رواه أبو داود وقال العلامة الألباني حسن صحيح. انظر صحيح سنن أبي داود ٢/ ٤٤٩.
ومن هديه ﷺ الإفطار على الرطب كما تقدم في حديث أنس فإن لم يتيسر الرطب - وهو ثمر النخل الناضج - أفطر على تمرات - والتمر هو ثمر النخل بعد أن يجف أو يقارب - فإن لم يتيسر التمر أفطر على الماء.
قال العلامة ابن القيم: [وكان يحض على الفطر بالتمر فإن لم يجد فعلى الماء هذا من كمال شفقته على أمته ونصحهم فإن إعطاء الطبيعة الشيء الحلو مع خلو المعدة أدعى إلى قبوله وانتفاع القوى به ولا سيما القوى الباصرة فإنها تقوى به وحلاوة المدينة التمر ومرباهم عليه وهو عندهم قوت وأدم، ورطبه فاكهة. فإن الكبد يحصل لها بالصوم نوع يبس. فإذا رطبت بالماء كمل انتفاعها بالغذاء بعده. ولهذا كان الأولى بالظمآن الجائع أن يبدأ قبل الأكل بشرب قليل من الماء ثم يأكل بعده هذا مع ما في التمر والماء من الخاصية التي لها تأثير في صلاح القلب لا يعلمها إلا أطباء القلوب] زاد المعاد ٢/ ٥٠ - ٥١.
وكان من هديه ﷺ أن يقول عند الفطر ما ورد في الحديث عن ابن عمر ﵄ قال: كان رسول الله ﷺ إذا أفطر قال: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) رواه أبو داود وغيره وهو حديث حسن كما قال العلامة الألباني في صحيح سنن أبي داود ٢/ ٤٤٩.
وروي أنه ﷺ كان يقول عند فطره: (الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت) رواه أبو داود وابن السني وهو حديث مرسل.
1 / 15
وروي أنه ﷺ كان يقول إذا أفطر: (اللهم لك صمنا وعلى رزقك أفطرنا فتقبله منا إنك أنت السميع العليم) رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة.
وعن عبد الله بن عمرو ﵄ قال: قال رسول الله ﷺ: (إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد) رواه ابن ماجة والحاكم وابن السني وقال البوصيري إسناده صحيح رجاله ثقات. انظر عمل اليوم والليلة لابن السني ص٢٢٨.
وصح أن النبي ﷺ صلَّى صلاة التراويح كما ورد في الحديث عن عائشة ﵂ (أن رسول الله ﷺ خرج ليلة في جوف الليل، فصلى في المسجد وصلى رجال بصلاته، فأصبح الناس فتحدثوا، فاجتمع أكثر منهم فصلى فصلوا معه، فأصبح الناس فتحدثوا، فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة، فخرج رسول الله ﷺ فصلى بصلاته، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد عن أهله حتى خرج لصلاة الصبح، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد، ثم قال: أما فإنه لم يخف عليَّ مكانكم ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. فتوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك) رواه البخاري ومسلم.
ثم إن المسلمين قد حافظوا على صلاة التروايح في كل ليلةٍ من ليالي رمضان في جماعة واحدة في المسجد منذ عهد عمر ﵁، فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري قال: خرجت مع عمر بن الخطاب ﵁ ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون وكان الناس يقومون أوله).
1 / 16
وكان من هدي الرسول ﷺ الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، فقد ورد في الحديث عن عائشة ﵂: (أن النبي ﷺ كان إذا دخل العشر الأواخر أحيا الليل وأيقظ أهله وشد المئزر) رواه البخاري ومسلم، وفي رواية عند مسلم: (كان ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره).
وكان من هدي المصطفى ﷺ الاعتكاف في رمضان فقد صح في الحديث عن عائشة ﵂ قالت: (كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله) رواه البخاري ومسلم.
ومن هدي المصطفى ﷺ في رمضان الجود والكرم ومدارسة القرآن الكريم، فقد صح في الحديث عن ابن عباس ﵄ قال: (كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، وكان ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري ومسلم.
وختامًا فعلى المسلم أن يصوم رمضان مخلصًا لله تعالى حتى ينال الجزاء الأوفى وهو غفران الذنوب؛ فقد صح في الحديث عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة ﵁ أيضًا أنه ﷺ قال: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه مسلم.
هذا هو الهدي النبوي في رمضان على وجه الإيجاز والاختصار فعلى الصائمين الاقتداء برسول الله ﷺ في هذا الشهر الفضيل بقدر الوسع والطاقة، وعليهم أن يحذروا الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس، الذين يحاولون بشتى
1 / 17
السبل والوسائل إفساد هذه العبادة العظيمة على الناس، ويفرغونها من مضامينها الإيمانية؛ عن طريق استغلال وسائل الإعلام بتقديم المسلسلات التي يزعمون أنها دينية وهي في معظمها لا علاقة لها بالدين إلا في الاسم. وكذلك المسابقات التي يتفننون في أسمائها وأشكالها وهدفها الحقيقي إنما هو إفساد الناس وأخلاقهم وتضييع أموالهم فيما العلم به لا ينفع والجهل به لا يضر.
فعلى المسلم أن يستفيد من وقته دائمًا وخاصة في شهر رمضان المبارك، فيقضي الصائم وقته في الطاعة كقراءة القرآن الكريم، والمحافظة على صلاة الجماعة، وصلاة التراويح وفعل الخيرات. كما أن في شهر رمضان فرصة طيبة للرجوع إلى الله والالتزام بشرعه، وفيه فرصة للإقلاع عن العادات القبيحة والسيئة كالتدخين.
- - -
1 / 18
هدي النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان
يقول السائل: كيف كان هدي النبي ﷺ في العشر الأواخر من رمضان؟
قوم إذا حاربوا شدوا مآزر ... عن النساء ولو باتت بأطهار
الجواب: إن خير الهدي هدي محمد ﷺ ولنا في رسول الله أسوة حسنة فقد كان من هديه ﷺ الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر أكثر مما سبقها من رمضان فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ﵂ قالت: (كان النبي ﷺ إذا دخل العشر شدَّ مئزره وأحيا ليله وأيقظ أهله) قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: قوله (شدَّ مئزره) أي اعتزل النساء وبذلك جزم عبد الرزاق عن الثوري واستشهد بقول الشاعر:
وذكر ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش نحوه، وقال الخطابي يحتمل أن يريد به الجد في العبادة كما يقال شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له ويحتمل أن يراد التشمير والاعتزال معًا ويحتمل أن يراد الحقيقة والمجاز كمن يقول طويل النجاد لطويل القامة وهو طويل النجاد حقيقة فيكون المراد شد مئزره حقيقة فلم يحله واعتزل النساء وشمر للعبادة قلت: وقد وقع في رواية عاصم بن ضمرة المذكورة (شد مئزره واعتزل النساء) فعطفه بالواو فيتقوى الاحتمال الأول. قوله: (وأحيا ليله) أي سهره فأحياه بالطاعة وأحيا نفسه بسهره فيه لأن النوم أخو الموت وأضافه إلى الليل اتساعًا لأن القائم إذا حيي باليقظة أحيا ليله بحياته وهو نحو قوله: (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا) أي لا تناموا فتكونوا كالأموات فتكون بيوتكم كالقبور. قوله: (وأيقظ أهله) أي للصلاة. وروى الترمذي ومحمد بن نصر من حديث زينب بنت أم سلمة
1 / 19
(لم يكن النبي ﷺ إذا بقي من رمضان عشرة أيام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلا أقامه) قال القرطبي: ذهب بعضهم إلى أن اعتزاله النساء كان بالاعتكاف وفيه نظر لقوله فيه: (وأيقظ أهله) فإنه يشعر بأنه كان معهم في البيت فلو كان معتكفًا لكان في المسجد ولم يكن معه أحد وفيه نظر فقد تقدم حديث (اعتكفت مع النبي ﷺ امرأة من أزواجه) وعلى تقدير أنه لم يعتكف أحد منهن فيحتمل أن يوقظهن من موضعه وأن يوقظهن عندما يدخل البيت لحاجته] فتح الباري ٤/ ٣٤٢.
وجاء في رواية عند مسلم عن عائشة ﵂ قالت: (كان رسول ﷺ إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجدَّ وشد المئزر). وفي رواية عند مسلم أيضًا عنها ﵂: (قالت كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيره).
قال الإمام النووي: [قولها: (كان رسول الله ﷺ إذا دخل العشر أحيا الليل وأيقظ أهله وجدَّ وشدَّ المئزر) وفي رواية: (كان رسول الله ﷺ يجتهد في العشر الأواخر ما لم يجتهد في غيره).
اختلف العلماء في معنى شد المئزر فقيل: هو الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته ﷺ في غيره ومعناه التشمير في العبادات. يقال: شددت لهذا الأمر مئزري أي تشمرت له وتفرغت وقيل: هو كناية عن اعتزال النساء للاشتغال بالعبادات وقولها: أحيا الليل أي استغرقه بالسهر في الصلاة وغيرها. وقولها: وأيقظ أهله أي أيقظهم للصلاة في الليل وجدَّ في العبادة زيادة على العادة] شرح النووي على صحيح مسلم ٣/ ٢٥٠.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [إن النبي ﷺ كان يوقظ أهله للصلاة في ليالي العشر دون غيره من الليالي وفي حديث أبي ذر أن النبي صلى الله
1 / 20
عليه وسلم لما قام بهم ليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين ذكر أنه دعا أهله ونساءه ليلة سبع وعشرين خاصة. وهذا يدل على أنه يتأكد إيقاظهم في آكد الأوتار التي ترجى فيها ليلة القدر وخرَّج الطبراني من حديث علي أن النبي ﷺ كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان وكل صغير وكبير يطيق الصلاة.
قال سفيان الثوري: أَحبُ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجد بالليل ويجتهد فيه وينهض أهله وولده إلى الصلاة إن أطاقوا ذلك. وقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يطرق فاطمة وعليًا ليلًا فيقول لهما: (ألا تقومان فتصليان). وكان يوقظ عائشة بالليل إذا قضى تهجده وأراد أن يوتر وورد الترغيب في إيقاظ أحد الزوجين صاحبه للصلاة ونضح الماء في وجهه. وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب كان يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة يقول لهم: الصلاة الصلاة ويتلو هذه الآية: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾] لطائف المعارف فيما لمواسم العام من وظائف ٣٤١ - ٣٤٢.
وذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي أن من هديه ﷺ الاغتسال بين أذان المغرب والعشاء في ليالي العشر فقال: [وقد تقدم من حديث عائشة ﵂: (واغتسل بين الأذانين) والمراد: أذان المغرب والعشاء. وروي من حديث علي ﵁ أن النبي ﷺ كان يغتسل بين العشاءين كل ليلة يعني من العشر الأواخر وفي إسناده ضعف.
وروي عن حذيفة ﵁ أنه قام مع النبي ﷺ ليلة من رمضان فاغتسل النبي ﷺ وستره حذيفه وبقيت فضلة فاغتسل بها حذيفه وستره النبي ﷺ. خرجه ابن أبي عاصم. وفي رواية أخرى عن حذيفه قال: قام النبي ﷺ ذات ليلة من رمضان في حجرة من
1 / 21
جريد النخل فصب عليه دلوًا من ماء. وقال ابن جرير: كانوا يستحبون أن يغتسلوا كل ليلة من ليالي العشر الأواخر. وكان النخعي يغتسل في العشر كل ليلة. ومنهم من كان يغتسل ويتطيب في الليالي التي تكون أرجى لليلة القدر فأمر زر بن حبيش بالاغتسال ليلة سبع وعشرين من رمضان. وروي عن أنس بن مالك ﵁ أنه إذا كان ليلة أربع وعشرين اغتسل وتطيب ولبس حلة إزارًا ورداءً فإذا أصبح طواهما فلم يلبسهما إلى مثلها من قابل.
وكان أيوب السختياني يغتسل ليلة ثلاث وعشرين وأربع وعشرين ويلبس ثوبين جديدين ويستجمر ويقول: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة أهل المدينة والتي تليها ليلتنا يعني البصريين. وقال حماد بن سلمة: كان ثابت البناني وحميد الطويل يلبسان أحسن ثيابهما ويتطيبان ويطيبون المسجد بالنضوح والدخنة - أنواع من الطيب - في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر. وقال ثابت: كان لتميم الداري حلة اشتراها بألف درهم كان يلبسها في الليلة التي يرجى فيها ليلة القدر. فتبين بهذا أنه يستحب في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر التنظف والتزين والتطيب بالغسل والطيب واللباس الحسن كما يشرع ذلك في الجمع والأعياد وكذلك يشرع أخذ الزينة بالثياب في سائر الصلوات كما قال تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ وقال ابن عمر: الله أحق أن يتزين له. وروي عنه مرفوعًا. ولا يكمل التزين الظاهر إلا بتزين الباطن بالتوبة والإنابة إلى الله تعالى وتطهيره من أدناس الذنوب وأوضارها فإن زينة الظاهر مع خراب الباطن لا تغني شيئًا. قال الله تعالى: ﴿يَابَنِيءَادَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾] لطائف المعارف ص ٣٤٦ - ٣٤٧.
ومن المعلوم أن ليلة القدر تكون في الليالي الفردية من العشر الأواخر من رمضان. فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ
1 / 22